يأتي اليوم الوطني المَجيد كمنصَّة يُمكِن من خلالها قراءة حجم التحوُّل الَّذي يَقُودُه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ نَحْوَ إعادة تشكيل مرتكزات الاقتصاد الوطني. فوفْقَ التَّوجيهات السَّامية تتقدم الدَّولة في مسار يعتمد على ضبط مالي مدروس، وتطوير تشريعات قادرة على دعم التنويع الاقتصادي. ولعلَّ أهمَّ ما يبرز ملامح هذا التحوُّل هو التوسُّع في القاعدة الإنتاجيَّة، وتقدُّم الإيرادات غير النفطيَّة، مع توجيهٍ واضح نَحْوَ تمكين الأنشطة الحيويَّة ورفع كفاءة إدارة المال العام. كما تتَّسع مساحة العمل المؤسَّسي عَبْرَ سياسات تركِّز على تحديث البنية الأساسيَّة، وتعزيز القدرة التنافسيَّة في مختلف القِطاعات، ما يضع اقتصادنا الوطني في سياق عملي يعكس بنية اقتصاديَّة تتقدم وفْقَ رؤية استراتيجيَّة تعتمد على حوكمة صلبة واستدامة بعيدة المدى.
يُمثِّل أداء الخطَّة الخمسيَّة العاشرة نموذجًا واضحًا لفاعليَّة السياسات الاقتصاديَّة، الَّتي اعتمدتها الدَّولة، حيثُ ينخفض الدَّيْن العام إلى (14.1) مليار ريال عُماني، ويرتفع مستوى الإيرادات إلى (5) مليارات و(839) مليونًا، مع زيادة موجَّهة في الإنفاق الإنمائي، الَّذي يستهدف رفع كفاءة البنية الأساسيَّة وتحسين بيئة الأعمال؛ لِتتشكلَ من هذه المؤشِّرات لوحة تؤكِّد القدرة على إعادة هيكلة الماليَّة العامَّة بصورة ترفع مستوى الانضباط المالي، وتدعم نُمو الناتج المحلِّي بالأسعار الجارية، مع استقرار التضخم عند متوسِّط (0.80) بالمئة منذ بداية العام، كما يتقدم الاقتصاد الوطني ضِمن مسار يعتمد على مزيج يجمع بَيْنَ إدارة ماليَّة دقيقة وتوسُّع إنتاجي في القِطاعات غير النفطيَّة؛ لِتتحولَ نتائج الخطَّة إلى خطوة عمليَّة تتَّسق مع رؤية القيادة السَّامية لبناء اقتصاد مَرِن وقادر على استيعاب توسعات أكبر خلال الأعوام المقبلة.
إنَّ المناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة والمناطق الحُرَّة والمُدن الصناعيَّة تُشكِّل محورًا صاعدًا في مسار التحوُّل الاقتصادي، حيثُ ترتفع قِيمة الاستثمارات إلى (22) مليار ريال عُماني بعد أنْ كانت (14.12) مليار قَبل خمسة أعوام، مع توسُّع في المشاريع النوعيَّة الممتدَّة من صناعات المعادن إلى الهيدروجين الأخضر. وتتقدم الدُّقم وصحار وصلالة في صدارة هذا التحوُّل عَبْرَ بنية تنظيميَّة توفِّر تملُّكًا كاملًا للمستثمرين وتسهيلات تشغيليَّة وخدمات إلكترونيَّة واسعة، بالإضافة إلى ارتفاع العقود الاستثماريَّة الجديدة إلى (138) عقدًا بقِيمة تتجاوز مليار ريال عُماني خلال النصف الأوَّل من العام الجاري، مع سيطرة القِطاع الصناعي على النسبة الأكبر منها، وارتفاع القوى العاملة في هذه المناطق إلى (80) ألف عامل. ويتشكل من هذا المسار قِطاع قادر على استيعاب توسعات أكبر في الصناعات الثقيلة والخدمات اللوجستيَّة ضِمن إطار تنظيمي أكثر نضجًا واستعدادًا لجذب صناعات ذات مردود مرتفع.
ويأتي جهاز الاستثمار العُماني لِيؤدِّيَ دَوْر المحرِّك الأوسع في إعادة تشكيل البنية الاقتصاديَّة للدَّولة، إذ تتجاوز أصوله (20) مليار ريال وتصل أرباحه إلى (1.585) مليار ريال في أداء يضعه ضِمن الصناديق السياديَّة الأكثر كفاءة واستقرارًا على المستوى العالمي. ويتحرك الجهاز عَبْرَ محافظ تمتدُّ من التنمية الوطنيَّة إلى الأجيال وصندوق عُمان المستقبل، مع انتشار واسع في أكثر من (50) دولة وتوجيه كبير نَحْوَ الداخل بنسبة تفوق (61) بالمئة بهدف تعزيز الإنتاج الوطني وتوسيع نطاق القِيمة المضافة. يتعمق هذا الدَّوْر مع اكتمال (14) مشروعًا وطنيًّا نوعيًّا بقِيمة تتجاوز (450) مليون ريال في قِطاعات الغذاء والصناعات التحويليَّة والمياه، في خطوة تؤكِّد قدرة الدَّولة على تنفيذ برامج استثماريَّة منظَّمة وواسعة النطاق، كما ترتفع التوقُّعات لنُمو الاقتصاد الوطني إلى (2.9) بالمئة خلال عام 2025 مع وصوله إلى (3.7) بالمئة في عام 2026، لِيأخذَ اليوم الوطني المَجيد بُعدًا اقتصاديًّا واضحًا يُعَبِّر عن انتقال سلطنة عُمان إلى مرحلة إنتاجيَّة أكثر اتساعًا تحت قيادة عاهل البلاد المُفدَّى الَّتي تواصل صياغة مسار اقتصادي يمتدُّ لعقودٍ قادمة.