الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 م - 20 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : قوانين الدم تشرع للاحتلال جرائمه

الثلاثاء - 11 نوفمبر 2025 04:00 م

رأي الوطن

150


يُشكِّل تصويت الكنيست على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين مرحلةً جديدة في تاريخ الإجرام المنظَّم الَّذي يمارسه الاحتلال ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل المُبتلى بصمتٍ دولي وتواطؤ مكشوف، إذ يتحول القتل من إبادة وإرهاب ميداني إلى تشريع رسمي يُراد به منح الجريمة غطاء قانونيًّا. فالتصويت الَّذي جرى بأغلبيَّة من الائتلاف والمعارضة معًا يعكس وحدة الفكر العنصري الَّتي تحكم المنظومة السياسيَّة في الكيان الصهيوني، ويكشف أنَّ الخلافات الحزبيَّة تتبدَّد حين يتعلق الأمر بدم الفلسطيني؛ ذلك أنَّ هذا القانون الَّذي قُدِّم بدعمٍ مباشر من رئيس الحكومة يُمثِّل اعترافًا صريحًا بأنَّ الاحتلال باتَ أكثر وقاحةً وجرأةً بمحاولته تقنين إرهابه وتحويله إلى إدارة حكم، دون أنْ يحاولَ مداراة عنصريَّته الفجَّة الَّتي تطفح من بَيْنِ نصوص هذا القانون العنصري بامتياز، الَّذي يُحاسب فقط مَن قتل مستعمِرًا جاء لسرقة الأرض من أصحابها، ويمنح المحتلَّ شرعيَّة لإعدام مَن يُدافع عن حقِّه في الوجود، ويحوِّل المحاكم إلى أدوات قتل مؤسَّسي تُشرِّع الإبادة وتمنحها الصِّفة القانونيَّة.

إنَّ القانون الجديد ليس سوى الوجْه المُعلَن لجريمة قديمة تُمارسها دولة الاحتلال الصهيوني منذُ قيامها، إذ اعتادت تحويل الاغتيال إلى وسيلة لإدارة الصراع مع الفلسطينيين. فاغتيال الرَّئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الَّذي حلَّت أمس ذكراه الحادية والعشرون، يُمثِّل الدَّليل الأوضح على أنَّ القتل كان ولا يزال نهجًا ثابتًا في منظومة الحُكم الصهيوني. فعرفات لم يَمُتْ بمرضٍ غامض كما حاولوا تصويره، لكنَّه اغتيل بقرار سياسي بعد حصار طويل أرادوا به كسر إرادته وإخماد رمزيَّته، مِثلَما اغتالوا قَبله وبَعده قادة المقاوَمة في الداخل والخارج من أحمد ياسين إلى الرنتيسي وأبو جهاد وغيرهم. لذا فما يجري اليوم في الكنيست ليس تشريعًا جديدًا بقدر ما هو اعتراف علني بما كان يُنفَّذ في الظِّل، حين كان الرصاص والقصف والتسميم أدواتٍ لتصفيةِ كُلِّ صوتٍ يُطالِب بالحُريَّة! والاحتلال الَّذي قتل القادة لا يتردد اليوم في تحويل تلك السياسة إلى نَصٍّ قانوني؛ لِيقولَ للعالم إنَّ العدالة لدَيْه تبدأ من فوهة البندقيَّة وتنتهي بتوقيع القاضي.

في المشهد نفسه الَّذي يسعى فيه الاحتلال لتقنينِ الإعدام، يصدر الكنيست قانونًا جديدًا يمنح وزير الاتصالات صلاحيَّة إغلاق وسائل الإعلام الأجنبيَّة وحجبِ مواقعها دُونَ رقابةٍ أو قضاء، لِيكملَ دائرة الجريمة بحجبِ الحقيقة! فالدَّولة الَّتي تُشرِّع قتْلَ الفلسطينيين، تعمل في الوقت ذاته على قتلِ الشهادة الَّتي تُوَثِّق جرائمها، وتخشى الصورة أكثر من الرصاصة، وتحويل قانون الطوارئ الإعلامي إلى تشريع دائم يعكس أنَّ الحرب الصهيونيَّة شملتِ الإنسان والكلمة الَّتي تفضح وحشيَّته أمام العالم. فالاحتلال الَّذي يُغلق القنوات ويعتقل المراسلين، ويمنع الكاميرات من دخول غزَّة، يُدرك أنَّ هزيمته تبدأ حين تنكشف صور الأطفال تحت الركام؛ لذلك يُطارِد المعلومة كما يُطارِد المناضِل. ويُمثِّل هذا التشريع الإعلامي إعلانًا رسميًّا بأنَّ الرواية الفلسطينيَّة تُحاصَر كما تُحاصَر المُدُن، وأنَّ الصوت الحُر باتَ هدفًا يوازي في خطره المقاوَمة الشرعيَّة في نظر مَن يحتكر الحقيقة بالسِّلاح.

إنَّ تزامن تشريع قوانين الإعدام والإغلاق الإعلامي مع ذكرى اغتيال ياسر عرفات يفضح وحدة النَّهج الَّذي يحكم عقل الاحتلال. فالاحتلال الصهيوني الَّذي سمَّم قائدًا تحت الحصار يسعى اليوم لتسميمِ الوعي العالمي وتشويه الحقيقة، وعليه، فإنَّ المشهد يُمثِّل مشروعًا متكاملًا يقوم على قتل الإنسان وكتم صوته في آنٍ واحد، ويُعبِّر عن منظومة سياسيَّة تبني وجودها على إلغاء الآخر! إنَّ ما يُسنُّ في الكنيست يترجم عقليَّة ترى في القانون وسيلة لتبرير القتل، وفي القضاء أداة لتقنين الجريمة، والاحتلال الَّذي فقَدَ قدرته على تبرير جرائمه يهرب إلى تشريعات تمنح نفْسه سُلطة القاضي والجلَّاد معًا، ويؤكِّد بوضوح أنَّ القانون الَّذي يقوم على الدَّم يفقد كُلَّ معنى للعدل. ولكن في هذا المشهد المظلِم تظلُّ الرواية الفلسطينيَّة الشَّاهدَ الحيَّ، وتبقى إرادة المقاومة الشرعيَّة أقوى من كُلِّ محاولات الطَّمس؛ لأنَّ العدالة تُكتب في ذاكرة الشعوب الَّتي تعرف طريقها إلى الحقيقة مهما طال ليل الاحتلال.