العدوان الصهيوني لم يتوقف ولن يتوقف في فلسطين عمومًا؛ لأنَّ الصراع وصل إلى مرحلة فاصلة، فإمَّا القَبول بالهزيمة وما يتبعها من تداعيات، وإمَّا استمرار العدوان وما يتبعه من تداعيات على الأمن والاستقرار. والصهاينة في كلتا الحالتين في حالة أزمة مهما حاولت قوى الشَّر قلب الحقائق. فما حدَث طوال معركة طوفان الأقصى يؤكد أنَّ هناك تأييدًا إلهيًّا لهذه الفئة المؤمنة المجاهدة الصادقة الصابرة الَّتي تُجابه أعتى قوى الضلال والاستكبار. فحسب معطيات الواقع بعد (25) شهرًا من الصمود وما زالت تلقِّن العدوَّ الدروس فلم يخرج أسير صهيوني واحد بالعدوان، بل جاء بكرامة وعزَّة، ولم تتوقف ضربات المقاومة يومًا واحدًا طوال العامين ونيف ولم تأخذ هذه الفئة المجاهدة الدنيَّة في قضيَّتها طوال فترة المفاوضات، وأخيرًا تمَّ الاتفاق بشرف المنتصر، وتمَّ الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين.. وهنا المقاومة فرضت شروطها، وفرضت انسحابًا صهيونيًّا (حسب الاتفاق) مع أنَّ قوى المقاومة تَعْلم أنَّه لم ولن يتقيد هؤلاء المُجرمون الَّذين خانوا الله ورسوله من قَبل بأيِّ اتفاق مبرم. بالمقابل فإنَّ المقاومة لم ولن تسلِّم السلاح أبدًا، فما لم يأخذه العدوُّ بالقوَّة الغاشمة طوال عامين لن يتحقق بالخداع ومكر السياسة الَّذي ألِفَه المقاوم الفلسطيني وقد حسم أمره بالرباط إلى يوم القيامة، والجهاد في سبيل الله لتحقيق مشروع التحرير العظيم. ولا شك هي حلقات متصلة في سبيل الله ليتحقق وعده سبحانه معمدًا بقوافل الشهداء الأبطال وقادة المقاومة الَّذين حقَّ لهم التكريم بالشهادة في نهاية مرحلة من مراحل النضال قال تعالى: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ .
اليوم الصهاينة في أزمة داخليَّة وعزلة دوليَّة رغم محاولة الهروب منها، فالمستوطنون الصهاينة ـ حسب الديمغرافيا ـ يتراجعون أمام تصاعد فلسطيني، وهناك في كيان الاحتلال فكرة قاتلة ستؤدي إلى اجتثاث وتآكل هذا الكيان المارق من الداخل بأنَّ هذه الأرض الفلسطينيَّة ليست هي أرض الميعاد ولا أمان لهم فيها، وقد بدأت الهجرة العكسيَّة الَّتي حاول العدوُّ الحدَّ منها، لكن لم يستطع. فهناك أكثر من مليون مهاجر خلال السنوات الماضية والعدد يتزايد بالهجرة العكسيَّة، وهذا بِدَوْره يسبب قلقًا كبيرًا لدى الصهيونيَّة العالميَّة، ويحاولون إيهام العالم بأنَّهم ما زالوا قادرين على الحديث عن «إسرائيل» الكبرى. نعم قد يحدُث ذلك فـ»إسرائيل» الكبرى هي أميركا الكبرى، وهي بطبيعة الحال تسيطر على المشرق العربي عمليًّا الآن في حالة من الوهن تسود المشرق ولكن إلى متى؟! فأيُّ تراجع أو انهيار أميركي وارد في ظل هذه التسارعات على المشهد العالمي؟ نعم «قد يُحدث الله بعد ذلك أمرًا» حينها فإنَّ العدوَّ الصهيوني هو من سيخرج ولن يكُونَ خروجًا آمِنًا» بل سيعلم الَّذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.
السرديَّة الصهيونيَّة تكشَّفت وتعرَّت أمام العالم بأسْره خلال طوفان الأقصى، ومَن كان يُناصر الصهاينة من خلال قلب الحقائق في الإعلام الغربي اليوم انقلب السحر على الساحر، وأصبحت الملايين من البشر ثائرة في العواصم والمُدن العالميَّة تطالب بمحاسبة الصهاينة، ولكن سيُملي الله للظالم حتَّى إذا أخذه لن يفلته، هذه هي حقيقة ما يحدث، وهذا الظلم وهذا العدوان على الأبرياء وقتل الأطفال واستخدام المدنيين ورقة ضغط لدى قوى الإجرام في مشهد سادي لم يسبق له مثيل في التاريخ! وهذا التمادي على الإنسانيَّة لن يستمرَّ وسيكُونُ سببًا للعقاب الإلهي بإذن الله، وما هذا الصمود والصبر الفلسطيني إلَّا تأييد من الله سبحانه ولن يخذلهم مَن خالفهم، ومن لا يزال مصرًّا على تلاوة السرديَّة الغربيَّة والصهيونيَّة فهو لا يضرُّ المقاومة في شيء وقد أنزل الله في ذلك قصصًا للعِبْرَة، والتاريخ كافٍ لتقصِّي تلك الحقائق، وسينتصر الحقُّ الفلسطيني بعون الله ولو بعد حين. واليوم هناك جيل فلسطيني كامل ذاق المأساة ورأى المعاناة بأُم العين، وشاهد ما حدَث، هو اليوم يقدِّم نفسه للمرحلة القادمة للتحرير والنصر المُبين والفتح القريب بعون الله، ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين.
خميس بن عبيد القطيطي