الأربعاء 05 نوفمبر 2025 م - 14 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : شراكة تتسع آفاقها

الأربعاء - 05 نوفمبر 2025 04:00 م

رأي الوطن

10

تجسِّد زيارة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى مملكة إسبانيا عُمق الاحترام الَّذي تحظى به سلطنة عُمان في محيطها الدولي، فقد حملت مراسم الاستقبال الملكي في القصر الملكي بمدريد رسائل سياسيَّة واضحة تؤكد أنَّ العلاقات العُمانيَّة الإسبانيَّة بلغت مرحلة النضج والثِّقة المتبادلة، فمشهد الخيَّالة الملكيَّة المصطفة لتحيَّة الموكب السَّامي، ووقوف جلالة الملك فيليبي السادس وجلالة الملكة ليتيزيا لاستقبال جلالته، يُعبِّران عن مكانة خاصَّة لقائد عُمان في وجدان الدَّولة الإسبانيَّة، كما أنَّ تفاصيل الاستقبال المهيب تعكس رغبة صادقة من الجانبَيْنِ في فتحِ آفاقٍ جديدة للتعاون تقوم على الفَهْمِ المشترك للمصالح والمبادئ، وتُعَبِّر عن إدراك متبادل لأهميَّة بناء شراكة راسخة قائمة على التوازن والاحترام. فالزيارة تحمل أبعادًا دبلوماسيَّة عميقة تؤكد حضور عُمان في السَّاحة الأوروبيَّة كشريك يعتمد عليه في ترسيخ قِيَم السَّلام والتَّنمية والاستقرار، وتُعزِّز موقعها كصوت عربي حكيم قادر على بناء الجسور وصياغة التفاهمات الدوليَّة بروح من المسؤوليَّة والثِّقة.

هذا الحضور الَّذي عكسته الزِّيارة السَّامية امتدَّ في كلمات جلالة السُّلطان المُعظَّم الَّتي شكَّلت مرآة صادقة لنهج الدبلوماسيَّة العُمانيَّة، حيثُ قدَّم جلالته في خِطابه بالقصر الملكي رؤية حضاريَّة تُعِيد تعريف العلاقات بَيْنَ الدول من منطلق القِيَم الإنسانيَّة المشتركة، وعَبَّرَ جلالته عن تقدير سلطنة عُمان لمكانة مملكة إسبانيا كجسر حضاري وإنساني يربط الشرق بالغرب، مؤكدًا أنَّ الحوار والانفتاح الثقافي هما السَّبيل لترسيخ السَّلام العالمي وتعزيز التَّنمية المشتركة. وجاء الخِطاب السَّامي أمام مجلس الشيوخ الإسباني استمرارًا لهذا النَّهج، فحمل مضامين فكريَّة عميقة تُبرز إيمان عُمان بالدَّولة المؤسَّسيَّة والمشاركة المُجتمعيَّة في صنع القرار، وتعكس رؤية وطنيَّة تربط بَيْنَ التقدُّم الاقتصادي والنهضة الفكريَّة. فالكلمات السَّامية فتحتْ أُفقًا جديدًا في العلاقات بَيْنَ البلدين، إذ جمعت بَيْنَ الثِّقة السياسيَّة والبُعد الحضاري، وأكَّدت أنَّ العلاقة بَيْنَ مسقط ومدريد تقوم على احترام متبادل وإيمان مشترك بقدرة الحوار على بناء المستقبل المشترك للأُمم.

ولعلَّ ما يؤكِّد أنَّ تلك الزِّيارة السَّامية ستكُونُ انطلاقة كبيرة للعلاقات الثنائيَّة، هو المخرجات الَّتي ترجمتها الاتفاقيَّات ومذكّرات التَّفاهم بَيْنَ البلدَيْنِ في مجالات الطَّاقة والمياه والغاز والميثانول الأخضر، حيثُ عكستْ رؤية مشتركة للتَّنمية المستدامة واستثمار الإمكانات في مجالات الطَّاقة النَّظيفة والاقتصاد الأخضر. فالاتفاقيَّات الَّتي وقِّعت في مدريد مثَّلتْ نقلةً نوعيَّة من مستوى التَّنسيق السِّياسي، إلى الشَّراكة العمليَّة بَيْنَ المؤسَّسات الحكوميَّة والقِطاع الخاصِّ، وأسَّستْ لمرحلةٍ من التَّعاون القائم على الابتكار والتَّكامل الاقتصادي. والمنتدى الاقتصادي الإسباني العُماني جاء ليُعزِّز هذا التَّوَجُّه، فاستعرض فرص الاستثمار في الموانئ والسِّياحة والتَّعليم والتقنيَّة والطَّاقة المُتجدِّدة، وأبرزَ المكانة الجاذبة للبيئة الاستثماريَّة في السَّلطنة.. فهذه المخرجات تعكس إرادة واضحة لبناء تعاون طويل الأمد يُسهم في تحقيق المصالح المشتركة، ويضع أُسُس شراكة استراتيجيَّة تُواكب التَّحوُّلات الاقتصاديَّة العالميَّة، وتنسجم مع مستهدفات رؤية «عُمان 2040».

إنَّ الزِّيارة السَّامية إلى مملكة إسبانيا فتَحَتْ مرحلةً جديدة من التَّعاون القائم على الثِّقة والتَّفاهم المشترك، ورسَّختْ أُسُس شراكة متوازنة تتقدَّم بخُطًى ثابتة نَحْوَ المستقبل، فاللِّقاءات الملكيَّة الرَّفيعة، والمنتدى الاقتصادي، وتوقيع الاتفاقيَّات النَّوعيَّة، شكَّلتْ معًا خريطة طريق واضحة لمسار العلاقات بَيْنَ البلدَيْنِ، وأبرزتْ موقع عُمان كشريكٍ موثوق في أوروبا يمتلك رؤية تنمويَّة منفتحة على العالم.. وعليه، فإنَّ المشهد العُماني الإسباني اليوم يعكس نضجًا سياسيًّا واقتصاديًّا يترجم مبدأ الدبلوماسيَّة المتَّزنة الَّتي تتبنَّاها السَّلطنة في سياستها الخارجيَّة، ويؤكِّد دَوْرها الفاعل في بناء التَّفاهمات الدّوليَّة القائمة على المصالح المشتركة واحترام السِّيادة، كما تُمثِّل هذه الزِّيارة التَّاريخيَّة خطوةً استراتيجيَّة في توسيع الحضور العُماني على السَّاحة الأوروبيَّة، وتُعزِّز من قدرة السَّلطنة على صياغة علاقات تستند إلى قِيَم السَّلام والاستقرار وتخدم مسار التَّنمية المستدامة إقليميًّا ودوليًّا.