مجالات تعاون تجمع البلدين فـي عدد من القطاعات لا سيما الاقتصادية والاستثمارية
مسقط ـ العُمانية: يقوم حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ بزيارة «دولةٍ» إلى مملكة إسبانيا يوم غد الاثنين.
وقد نصَّ بيان ديوان البلاط السُّلطاني الصادر أمس على الآتي: «تلبية للدعوة الكريمة الموجهة إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ من جلالة الملك فيليبي السادس ملك مملكة إسبانيا وتعزيزًا لروابط الصداقة بين سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا الصديقة بما يسهم في تحقيق تطلعات البلدين؛ سيقوم بمشيئة الله تعالى وتوفيقه - عاهل البلاد المفدى بزيارة دولة إلى مملكة إسبانيا وذلك من تاريخ الثالث إلى الخامس من شهر نوفمبر لعام ٢٠٢٥م.
وسيتم خلال الزيارة السامية لجلالته ـ أبقاه الله ـ بحث مسارات التعاون بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، إضافة إلى التشاور والتنسيق حيال الموضوعات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية.
ويرافق جلالة السُّلطان المُعظَّم خلال زيارته وفد رسمي رفيع المستوى يضم كلًّا من: صاحب السُّمو السَّيد شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع ومعالي السَّيد خالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السُّلطاني ومعالي الفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السُّلطاني ومعالي السَّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية ومعالي الدكتور حمد بن سعيد العوفي رئيس المكتب الخاص ومعالي عبد السلام بن محمد المرشدي رئيس جهاز الاستثمار العُماني ومعالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ومعالي المهندس سالم بن ناصر العـوفي وزير الطاقة والمعادن وسعادة السفير ثامر بن فايز العلوي سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى مملكة إسبانيا.
حفظ الله جلالة السُّلطان المُعظَّم في حله وترحاله، وأحاطه برعايتِه وعنايتِه، وأفاء عليه بكريم آلائه ونعمائه، إنه سميع قريب مجيب الدعاء».
وتسعى سلطنة عُمان بقيادة حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ إلى تعظيم الاستفادة من علاقاتها المتميزة مع جميع دول العالم بما يعودُ بالخير والمنافع المشتركة وإعلاء مبادئ السِّلم والأمن الدّوليين.
وتشكل زيارة «دولة» التي يقوم بها جلالته ـ أيَّدهُ اللهُ يوم غدٍ إلى مملكة إسبانيا الصديقة واحدة من بين المحطَّات الدّولية في هذا الجانب مستندة إلى علاقات البلدين لأكثر من خمسة عقود وإلى أُسس متينة من الاحترام والتفاهم المشترك.
واتسمت العلاقات العُمانية الإسبانية على مدى السنوات الخمسين الماضية بالاحترام المتبادل والتعاون البنَّاء، ما أسهم في ترسيخ شراكة متينة تشمل مختلف المجالات، أبرزها الجانبان السياسي والاقتصادي، وقد ظهر ذلك من خلال تبادل الرؤى والاجتماعات والاتفاقات الثنائية من بينها زيارة جلالة الملك فيليبي السادس ملك مملكة إسبانيا ولقاؤه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ لتأدية واجب العزاء في وفاة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه.
وفي جانب آخر استعرض الزّعيمان في اتصالٍ هاتفيٍّ في الثامن من أكتوبر من العام الماضي العلاقات الثنائية وتبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليميَّة والدوليَّة ذات الاهتمام المشترك، كما قام ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس الأول بعدة زيارات إلى سلطنة عُمان كان آخرها في عام 2014م تم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكّرات التّفاهم في عدة مجالات.
ويجمع سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا الصديقة مجالات تعاون في عدد من القطاعات لا سيما الاقتصادية والاستثمارية، وتسهم منتديات الأعمال والاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين القطاعين العام والخاص وصناديق الاستثمار في التكامل في هذا الجانب؛ ما يعزّز المنافع المشتركة بين البلدين الصديقين والاستفادة من مجالات الاستثمارات المتاحة مثل الطاقة المتجدّدة والسّياحة والأمن الغذائي والبنية الأساسية والتكنولوجيا والدفاع.
وشهد القطاع الاقتصادي والاستثماري القائم بين الجانبين نموًّا ملحوظًا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتوج مؤخرًا وازدهر منذ تأسيس الصندوق العُماني الإسباني المشترك للتملك الخاص في عام 2018م، الناشئ عن الشراكة الاقتصادية بين جهاز الاستثمار العُماني وشركة «كوفيديس» الإسبانية الحكومية، وتم تعزيزه في عام 2023م لتبلغ قيمته الإجمالية حوالي 133 مليون ريال عُماني؛ إذ استثمر الصندوق في 11 شركة إسبانية في قطاعات مختلفة، بما في ذلك الصناعات الغذائية والطاقة المتجدّدة والتقنية والصناعة والرعاية الصحيَّة والتسويق.
وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين الصديقين حتى نهاية عام 2024م نحو 94 مليون ريال عُماني، وبلغ حجم الصادرات العُمانية إلى إسبانيا 33.8 مليون ريال عُماني، فيما بلغت واردات سلطنة عُمان من مملكة إسبانيا 60.4 مليون ريال عُماني وفقًا لبيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وتتمثل أهم الواردات الإسبانية في السفن والطائرات والسيارات ومنتجات المسابك والأرضيات والذخائر، وفي المقابل شملت الصادرات العُمانية إلى إسبانيا الألمنيوم والبلاستيك والمواد الكهربائية والمنتجات الكيميائية العضوية والأسماك المجمدة. في حين بلغ عدد الشركات الإسبانية المسجلة في سلطنة عُمان بنهاية شهر سبتمبر 2025م نحو 58 شركة بإجمالي رأسمال مستثمر تجاوز 69 مليون ريال عُماني وبنسبة مساهمة بلغت 66.5 بالمائة، تركزت في قطاعات التشييد والنقل والتخزين وتجارة الجملة والتجزئة بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار. وسجلت الحركة السياحية الدولية القادمة إلى سلطنة عُمان من السوق الإسباني نموًّا بنسبة 19 بالمائة خلال الربع الثالث من العام الجاري ليبلغ عدد الزوار الإسبانيين 6 آلاف و764 زائرًا بحسب بيانات وزارة التراث والسياحة التي تستهدف السوق الإسباني من خلال تنفيذ حملات ترويجية إلى جانب فتح مكتب التمثيل السياحي في مملكة إسبانيا خلال شهر يوليو 2025م؛ بهدف تقوية العلاقات مع الشركاء في القطاع السياحي الإسباني وبحث سبل التعاون والفرص في هذا القطاع، إضافة إلى تعريف وكالات ومكاتب السفر والسياحة الإسبانية بالمقومات والمعالم والمنتجات السياحية التي تزخر بها سلطنة عُمان.
وقال سعادةُ السّفير ثامر بن فايز العلوي سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى مملكة إسبانيا إن هذه الزيارة التاريخيَّة تجسد عمق ومتانة روابط الصداقة الوثيقة التي تجمع البلدين والشعبين، وإن لقاء القائدين سيكون باعثًا قويًّا لنقل روابط الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين منذ بدء العلاقات الدبلوماسية في عام 1972م، إلى آفاق أرحب في جميع المجالات. ووضح سعادتُه لوكالةِ الأنباء العُمانية أن العلاقات بين سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا تشهد تطورًا ونموًّا مطَّردًا، وتعاونًا ثنائيًّا وثيقًا نتجت عنه شراكات متعدّدة على مستويات مختلفة، مبينًا أن السنوات الأخيرة شهدت توسّعًا ملحوظًا في التوقيع على الاتفاقيات بين صناديق الثروة السيادية في البلدين والعاملة على نطاق دولي؛ إذ أصبحت سلطنة عُمان ثالث أكبر متلقٍّ للاستثمارات الإسبانية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بحجم يقارب 37 مليون ريال عُماني، ما يجعلها شريكًا موثوقًا به وجذّابًا لمختلف القطاعات الاقتصادية الإسبانية التي تشمل السياحة والهندسة المدنية والصناعات الكيميائية والمعدنية وإدارة المياه والأنشطة التجارية.
وحول العلاقات الثقافية العُمانية الإسبانية، ذكر سعادتُه أن العلاقات والروابط الثقافية التاريخية بين البلدين ضاربة في القدم حيث بدأت منذ هجرة العرب إلى الأندلس ومشاركتهم في بناء حضارتها، ومن أبرز الشخصيات العُمانية المهاجرة قديمًا إلى الأندلس الطبيب العُماني عبد الله بن محمد الأزدي الصحاري (ابن الذهبي) صاحب موسوعة الماء (أول معجم طب لُغوي في التاريخ) الذي توفي بإقليم فالنسيا الإسباني في عام 1064م، ومن الدلالات الأخرى على تجذر علاقات التواصل التاريخي بين البلدين، تعرف باحثين إسبان على شعارات ملكية لملوك إسبانيا محفورة في بعض المدافع الأثرية بحصون وقلاع سلطنة عُمان لاسيما المدافع بحصن جبرين.
وأضاف سعادتُه أن سلطنة عُمان ملتزمة بتعزيز وإبراز ثروتها الثقافية والتراثية والسياحية والأكاديمية، تماشيًا مع أهداف رؤية «عُمان 2040»، ويظهر ذلك بحيوية في الفعاليات السياحية لا سيما المشاركة هذا العام في معرض السياحة الدولي «فيتور» بمدريد والذي يعد أهم المعارض السياحية في العالم، وتوجت هذه المشاركة بحصول جناح سلطنة عُمان على جائزة أفضل جناح للتصميم المبتكر، ما يعزز الصورة الإعلامية لسلطنة عُمان باعتبارها وجهة سياحية لدى الجمهور الإسباني.
وأكّد سعادتُه على أن التنسيق بين البلدين الصديقين في المحافل الثنائية ومتعددة الأطراف أمرٌ بالغُ الأهمية لتعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي من خلال العمل المشترك في مجالات الأمن والوساطة وحلّ النزاعات، وأن المواقف السّياسية للبلدين تكاد تكون متشابهة ومنسجمة تمامًا وبالتوجُّه نفسه، حيث توافقت سلطنة عُمان وإسبانيا في التصويت على قضايا رئيسة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، منها دعم القرارات المتعلّقة بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية والاعتراف بالدولة الفلسطينية وحلّ الدولتين، وقد عزز هذا التوافق الالتزام المشترك بضرورة حماية المجتمع الدولي وتعدّدية الأطراف وحق الشعوب في تحديد المصير والعيش بسلام.
من جانبه أكّد سعادةُ السّفير فرانسيسكو خافير سيمونيه، سفير مملكة إسبانيا المعتمد لدى سلطنة عُمان على أن العلاقات بين سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا وديَّة ومتينة للغاية، كما أن هناك احترامًا متبادلًا بين البلدين الصَّديقين، ويحتفظان بعلاقات قويَّة على المستوى المؤسَّسي، مضيفًا أن البلدين يفتخران بجهودهما المشتركة في تعزيز قيم التفاهم وأواصر التعاون بين مختلف دول العالم، فضلًا عن دعم الحوار واحترام القانون الدّولي لتسوية النزاعات.
وقال سعادتُه لوكالةِ الأنباء العُمانية إن زيارة جلالةِ السُّلطان المُعظَّم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ إلى مملكة إسبانيا تعدّ ذات أهميَّة قصوى للعلاقات الثنائية، وهي فرصة فريدة لتقييم التعاون على مرّ السّنوات وإبراز العديد من المجالات التي يمكن للبلدين العمل فيها معًا، وتعدُّ سلطنة عُمان موقعًا مثاليًّا في المنطقة بفضل علاقاتها المميزة مع مختلف الدول وعلاقاتها التجارية مع أسواق كبيرة مثل الولايات المتحدة والهند.
وبيَّن سعادتُه أن الشركات الإسبانية أصبحت أكثر إدراكًا لأهمية الوجود المستمر في سلطنة عُمان حيث قام العديد من هذه الشركات المتخصصة في الهندسة والبناء بتنفيذ مجموعة من المشروعات في سلطنة عُمان خلال العشرين عامًا الماضية، كما أن هناك تعاونًا في مجالات الطاقة والطيران المدني والدّفاع والخدمات اللوجستيَّة والسياحة، وتوجد فرص واعدة في مجالات الفضاء والطاقة النظيفة.
ومن الناحية الثقافية تطرق سعادتُه إلى ضرورة تعلم اللغة العربية والإسبانية في البلدين نظرًا لدورهما في العلاقات الأكاديمية وتبادل الخبرات بين الأفراد على المدى المتوسط، وسيعزّز ذلك العلاقات الثنائية بشكل كبير، لافتًا إلى أن هناك شعورًا كبيرًا بالتقارب على مستوى مواطني البلدين، حيث يسافر العُمانيون بشكل متكرر إلى إسبانيا للعمل والسياحة، بينما يُبدي المزيد من الإسبان اهتمامهم بزيارة سلطنة عُمان.
من جهته قال سعادةُ فيصل بن عبد الله الرواس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان إن زيارة جلالة السُّلطان المُعظَّم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ إلى مملكة إسبانيا تمثِّل محطة بارزة في مسار تعزيز العلاقات الثُّنائية بين البلدين الصديقين، وتتويجًا للعلاقات الوطيدة التي تجمع الجانبين، موضحًا أن هذه الزيارة تكتسب أهمية كبيرة في ظل حرص جلالتِه ـ أيَّدهُ اللهُ ـ على توطيد أواصر التعاون الاقتصادي، وفتح آفاق رحبة أمام الشراكات التجاريَّة والاستثماريَّة.
ووضَّح سعادتُه لوكالةِ الأنباء العُمانية أن مجالات التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين الصَّديقين شهدت تطوُّرًا ملحوظًا وتسعى غرفة تجارة وصناعة عُمان بالتعاون مع نظيرتها الإسبانية إلى استكشاف الفرص الاستثمارية الواعدة في العديد من القطاعات الاقتصادية، وقد أسهمت المُلتقيات والمُنتديات التجارية في تعزيز قنوات التواصل بين مؤسسات القطاع الخاص في البلدين من خلال مناقشة سبل التبادل التجاري وتطوير المشروعات المشتركة، بما يسهم في دعم جهود التنويع الاقتصادي وتحفيز الاستثمارات المتبادلة.
وقال سعادتُه إن النجاحات التي حقّقها الصندوق العُماني الإسباني تجسِّد التزام البلدين الصديقين بتعزيز الشراكات الاقتصادية طويلة الأمد، ويتيح الصندوق للسوق العُماني الاستفادة من الخبرات والمعرفة التقنية التي تمتلكها الشركات الإسبانية عبر نقل المعارف والتكنولوجيا، وتحقيق عوائد استثمارية مجدية، بما يسهم في دعم النمو الاقتصادي في سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا.
وأشار سعادتُه إلى وجود فرص واعدة للتعاون بين سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا في العديد من القطاعات الحيوية أبرزها قطاع الصناعة، والسياحة، والاقتصاد الرقمي، والسياحة الطبية، وإدارة الموارد الغذائية. موضحًا أن السوق الإسبانية تعد من أهم الأسواق السياحية، وتمثل بوابة مهمة لدخول الاستثمارات العُمانية إلى الأسواق الأوروبية.