الأحد 02 نوفمبر 2025 م - 11 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

قراءة فـي سيرة مصطفى العقاد: المخرج الفنان والداعية للإسلام «3»

قراءة فـي سيرة مصطفى العقاد: المخرج الفنان والداعية للإسلام «3»
السبت - 01 نوفمبر 2025 11:24 ص

نجوى عبداللطيف جناحي

20


.. وما زلنا نقرأ في سيرة المخرج الفنَّان الدَّاعية للإسلام مصطفى العقاد، هذا المخرج والفنَّان الدَّاعية للإسلام والَّذي أسلم على يده أكثر من عشرين ألف شخص، دخل عالم الشهرة بكفاءته المهنيَّة في صناعة السينما، فنكمل ما بدأناه في مقالَيْنا في الأسبوعين الماضيين والمنشورَيْنِ في هذه الجريدة الغرَّاء (الوطن) العُمانيَّة الغراء، يومَي الأحد الموافقَيْنِ الـ(19) والـ(26) من أكتوبر 2025م، واللَّذينِ كانا بعنوان: قراءة في سيرة مصطفى العقاد: المخرج الفنَّان والدَّاعية للإسلام (الجزءين الأول والثاني)، ذلك الفنَّان السوري الحلبي المولود عام 1930، والَّذي نشأ في بيئة دينيَّة محافظة، وتربَّى على يد والده الواعظ (شيخ الدِّين)، وكان والده يَعدُّ صناعة السينما وغيرها من الفنون لا تتفق وتعاليم الدِّين الإسلامي، في حين أنَّ ابنه مصطفى العقاد كان يرى أنَّ السينما وسيلة لتعريف النَّاس بالدِّين الإسلامي، وأنَّ هذه الوسيلة هي أفضل من الطُّرق التقليديَّة الَّتي يتَّبعها الدّعاة والواعظون في تعريف النَّاس بالدِّين الإسلامي، وهو أُسلوب المحاضرة وتقديم الدروس والمواعظ. وقدِ اهتمَّ مصطفى العقاد منذ طفولته بتطوير قدراته وخبراته في الإنتاج والإخراج الفنِّي، فقد كان يتدرب على التصوير الفوتوغرافي في صغره، واشترى كِتابًا باللُّغة الإنجليزيَّة حَوْلَ صناعة السينما فترجمه بنفسه لِينمِّيَ معرفته في هذا المجال. وأعدَّ نفسه للسفر إلى أميركا للدراسة، حيثُ التحق بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) لدراسة الإخراج عام 1954، وعندما كان طالبًا أخرج خلال فترة الدراسة فيلمًا تاريخيًّا حَوْلَ: (قصر الحمراء)، وفاز بالجائزة الأولى في مسابقة الجامعة، فانتشر هذا الفيلم وانتشر انتشارًا واسعًا في أميركا. ولعلَّ هذا الفيلم باكورة وفاء العقاد بوعده لأبيه بأن يوظفَ صناعة السينما للتعريف بالدِّين الإسلامي.

نعم.. كان حلمه أن يوثِّقَ التاريخ، وخصوصًا تاريخ المسلمين سينمائيًّا بدلًا من توثيقه في كِتاب يُقرأ؛ فمشاهدة التاريخ بما يتضمنه من حوارات ومشاهد مرئيَّة تؤثِّر في النفْس أكثر من قراءته في كلمات خطَّت على الورق، إلَّا أنَّه لن يتمكن من تحقيق حلمه دون أن يكُونَ بَيْنَ يدَيْه رأس مال لهذه المشاريع، وهي إنتاج أفلام تاريخيَّة، ولا يكفي جمع رأس مال المشاريع، بل لا بُدَّ من أن يكُونَ مخرجًا سينمائيًّا مشهورًا، محترفًا موثوقًا في كفاءته، وأن يصلَ إلى العالميَّة، لِيتقبلَ النَّاس إنتاجه ويثقوا فيه. وهنا بدأ مشواره للحصول على العمل، فبعد أن تخرج في الجامعة بدأ رحلةً شاقَّة في البحث عن العمل، حيثُ تقدَّم للعمل في سبعة أستوديوهات ضخمة وجميع محطَّات التلفزيون ووكالات الإعلان للحصول على وظيفة، إلَّا أنَّه قوبل بالرفض، فلم تقبلْه أيّ محطَّة.. هذا المشوار الطويل في البحث عن العمل وما صاحبه من إحباطات لم يكُنْ حجر عثرة في طريق تميُّزه، ولم يكُنْ مصدر إحباط له، بل كان يتحصن بثقته بنفسه وبكفاءته وطموحه الَّذي لا يعرف البأس، وفي نهاية المطاف وفْقَ في الحصول على عمل في محطَّة «إن بي سي» الأميركيَّة، حيثُ تولَّى إعداد وإنتاج برامج تلفزيونيَّة تناولت السِّيرة الذاتيَّة لمختلف الجماعات العِرقيَّة في الولايات المُتَّحدة، وأبرزت أثَر الخلفيَّات الثقافيَّة لتلك المجموعات على تفاصيل حياة أفرادها، وعمل في ما بعد في شبكة لإعداد أفلام بعنوان (كيف يرانا العالم؟)، جاب خلال تصويرها مناطق عديدة في العالم، وهذا ما أكسبه معرفة بالثقافات المختلفة والمتنوعة. نعم كانت هذه الأعمال الفنيَّة هي من بدايات إنتاجه، ولا غرابة في ذلك فهو مخرج فنَّان، وهو في الوقت نفسه مفكِّر مثقَّف يؤمن برسالة يجتهد لتحقيقها، ولم لا؟ فهو ثمرة تربية الشيخ الواعظ (العقاد)، وها هي الثمرة تينع، فحقَّ لأبيه أن يفخرَ به.. تلك سنَّة الحياة، فكُلُّ ما نغرسه في أبنائنا نحصده ونجنيه فأحسنوا الغرس في شخصيَّة أبنائكم وأسهموا في تكوينها.

العقاد فنَّان مجتهد طموحه لا حدود له في مجال الإنتاج والإخراج السينمائي، لذا حقَّق أحد أحلامه وهو تأسيس شركة «العقاد للإنتاج الدولي» المتخصِّصة في الأفلام الوثائقيَّة، اجتهد ليوسِّع من نشاط الشركة، لذا افتتح عدَّة مكاتب كفروع لشركته، منها مكتب في بيروت، حيثُ كان النشاط السينمائي والفنِّي في بيروت في أوج نشاطه، وفرع آخر في لندن، ثم عمل على أن يتسع نشاط الشركة فظفر بترخيص؛ ليفتحَ مكتبًا لشركته في هوليود، تلك المدينة الَّتي باتت بيت خبرة عالميًّا في صناعة السينما، ومَن يصلها يصل إلى العالميَّة. وبذلك حقَّق حلم طفولته بالوصول إلى عالم هوليود، فأصبح يعمل في هذا العالم مخرجًا ومنتِجًا ومنفِّذًا، منذ عام 1962م ولمدَّة (45) عامًا.

ممَّا جعل المختصِّين في مجال السينما يثقون فيه، وجعل الجمهور يُقبلون على مشاهدة إنتاجه السينمائي، أنَّه تلميذ المخرج العالمي الشهير (الفريد هتشكوك)، حيثُ تدرَّب على يدَيْه ونال خبرة كبيرة من خلال عمله معه، كما بنَى شبكة علاقات واسعة في حقل الفنِّ والسينما من خلال العمل معه، وهذا ما ساعده فيما بعد على إعداد مجموعة أفلام (الهالويين)، فهو يعلم بشغف الجمهور الأميركي بأفلام الرعب؛ لذا اجتهد في إنتاج العديد من أفلام الرعب ممَّا أعطاه المزيد من الشهرة والانتشار في أوساط الشَّباب الأميركيين، فكان إنتاجه الفنِّي غزيرًا حتَّى تربع على عرش الشهرة، وعُرف بكفاءته المهنيَّة واحترافيَّته حتَّى أصبح أستاذًا في اختصاصه.

نعم.. وصلَ العقاد إلى عالم هوليود، ووصلَ إلى العالميَّة، وقد أثبتَ نفسه في عالم صناعة السينما بكفاءته وبإبداعاته الَّتي تفوق توقُّعات مَن شاركه حقل السينما، ورغم ذلك ظلَّ متمسكًا بهُوِيَّته العربيَّة الإسلاميَّة، لم يتخلَّ عن ثقافته الأصليَّة، وظلَّ منتميًا لمدرسة والده الفكريَّة طوال حياته، كُلُّ هذا كان تهيئة لنجاح أفلامه التاريخيَّة الَّتي أنتجَها وأن تصل للعالميَّة. فالنَّاس تقبَّلت إنتاجه الفنِّي التاريخي؛ لأنَّه أثبت كفاءته في عالم صناعة السينما وتربَّع على عرش العالميَّة. وسنكمل قراءتنا في سيرة الفنَّان المخرج الدَّاعية الإسلامي مصطفى العقاد.

نجوى عبداللطيف جناحي

كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية

متخصصة في التطوع والوقف الخيري

[email protected]

Najwa.janahi@