احتفلت الأُمم المُتَّحدة يوم الـ(24) من أكتوبر بيومها العالمي والذكرى الـ(80) لتأسيسها بعد نتائجها الفاعلة على الساحة الدوليَّة، ودَوْرها الأساس في حل القضايا والأزمات والإشكاليَّات، وتعزيز القِيَم الديمقراطيَّة وحماية حقوق الإنسان، ومعالجة مختلف القضايا الَّتي يواجهها العالم من حروب وصراعات وتحدِّيات مناخيَّة وبيئيَّة وماليَّة واقتصاديَّة.
وهي الوجهة الَّتي تتجه إليها الأنظار عند نشوب أيِّ حرب أو صراع أو اختلاف في وجهات النظر أو الحدود والنزاعات. ويتعاظم دَوْرها في إيجاد الحلول وحل الأزمات بكُلِّ حياديَّة؛ لكونها منظَّمة دوليَّة دَوْرها الأساس حفظ الأمن والسِّلم الدوليين.
ومنذ تأسيسها أصبحت مظلةً جامعة للأُسرة الدوليَّة، ووصل اليوم عدد أعضائها إلى (193) دولة، لتصبح المنصَّة الوحيدة الَّتي تحظى بشرعيَّة عالميَّة شاملة؛ لذا فقد قامت سلطنة عُمان بتهنئة الأمين العام للأُمم المُتَّحدة بهذه الذكرى لِمَا لها من دَوْر أساس على مدى العقود الماضية في حل الكثير من الأزمات وصياغة العديد من المواثيق والعهود الَّتي تناولت مختلف مجالات الحياة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والماليَّة.
كما تقوم بتقديم المساعدات وإغاثة الدول والشعوب، وإيفاد بعثات حفظ الأمن في مناطق النزاع، ومواجهة الكوارث الطبيعيَّة، وبناء جسور الحوار بَيْنَ الشعوب. ولكنَّها اليوم تعاني سياسيًّا بسبب التدخلات الأميركيَّة وضعُف أداؤها خصوصًا في القضايا الَّتي ترتبط بتوازن القوى الدوليَّة (دول حق الفيتو).
لذا نرى عجز المنظمة بسبب هذا (الحق) عن حل القضيَّة الفلسطينيَّة ووقف الجرائم «الإسرائيليَّة» المتكررة في فلسطين وحرب الإبادة الحاليَّة في قِطاع غزَّة في ظل تكرار استخدام حق النقض (الفيتو) من قِبل بعض الدول دائمة العضويَّة في مجلس الأمن، خصوصًا أميركا الحليف والداعم الأول للكيان الصهيوني، ممَّا أفقدها كثيرًا من مصداقيَّتها، خصوصًا في الأزمة الحاليَّة.
ومع ذلك، لا يُمكِن تجاهل ما أنجزته الأُمم المُتَّحدة في ملفات كثيرة، وكان لسلطنة عُمان دَوْر في ذلك مع الدول الأخرى الشقيقة والصَّديقة، وشاركت بفعاليَّة في دعم برامج الأُمم المُتَّحدة وهيئاتها المختلفة. وترتبط السلطنة بعلاقات ممتازة مما جعلها تحظى بتقدير واسع من المنظمة والمُجتمع الدولي في الكثير من الأزمات والقضايا الَّتي قامت حكومة سلطنة عُمان وسياستها المتزنة بحلِّها والإفراج عن الكثير من الأسرَى وحل الأزمات إذا طُلب منها.
وبعد تعرُّضها لانتقادات شديدة بسبب الحرب «الإسرائيليَّة» على غزَّة وضعف دَوْرها، فإنَّ المطلوب اليوم هو إصلاحها وتحديث منظومتها لتصبح أكثر عدلًا وتوازنًا وشفافيَّة، وأن يُلغى حق النقض الفيتو أو يزيد عدده أعضائه أو يكُونُ كُلَّ أربع سنوات يتم اختيار سبع دول من القارَّات السبع يكُونُ لها حق النقض، ولها القدرة على تمثيل إرادة الشعوب، ولدَيْها مصداقيَّة، ولا تكُونُ محصورة للقوى الكبرى الَّتي أصبحت غير قادرة على تحقيق السلام والاستقرار الدوليين.
لذا نحن نقف اليوم أمام مفترق طرق، فإمَّا تستعيد الأُمم المُتَّحدة دَوْرها التاريخي كمنصَّة للعدالة الدوليَّة، أو تقوم الدول الأخرى بإنشاء منظمة جديدة تُعِيد التوازن والإنصاف للدول والشعوب، ويجعل منها كيانًا أكثر مصداقيَّة وعدالة وأمانًا، ويكفينا منع دخول الرئيس الفلسطيني لنيويورك من قِبل الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة لإلقاء كلمته!!
إنَّ الجهود العُمانيَّة في دعم الأُمم المُتَّحدة مستمرة؛ تحقيقًا للأمن والسلم الدوليين، وكُلّ عام تجدِّد سلطنة عُمان التزامها بالعمل من أجل عالم أكثر عدلًا وإنصافًا ويعزِّز التعاون الدولي، ويضع مصلحة الإنسان في قلب التنمية والسلام.
اليوم ونحن نحتفل بالذكرى الثمانين للأُمم المُتَّحدة، ومع ما يجري في المنطقة من تخطيط وأزمات وحروب سياسيَّة واقتصاديَّة من قِبل «إسرائيل» وحلفائها لإعادة رسم الشرق الأوسط الجديد حسب رؤيتهم وأهدافهم الماسونيَّة، فإنَّ التطلع هو إنشاء منظمة عالميَّة أخرى تتمتع بالشرعيَّة والسُّلطة والعدالة، وقادرة على بعث الأمل لعالم أكثر استقرارًا وأمنًا وأفضل اقتصاديًّا وحفظ السلام لكُلِّ دول العالم وتطبيق القانون والتوسط في محادثات السلام دون الكيل بمكيالين، وهو ما يستلزم تكثيف الجهود الدوليَّة لتحقيق هذا الهدف أو إصلاح الأُمم المُتَّحدة تحقيقًا للأمن والسِّلم ونشر مظلة العدالة للجميع.. والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا