القرار الوزاري الَّذي أصدرته وزارة العمل مؤخرًا بشأن إصدار لائحة تنظيم ترخيص العمل ومزاولته في رأيي أنَّه ليس قرارًا إداريَّا فقط، بل هو قرار إنساني من الدرجة الأولى، ويشتمل على كثير من الحكمة الَّتي توجّه لتطوير بيئة العمل بصورة تُحقق الاستقرار والعدل والحق، سواء لصاحب العمل أو العامل على حدٍّ سواء.
إنَّ هذا القرار الَّذي يتصف بالإنصاف والمرونة يعكس حكمة الإدارة العُمانيَّة ورحمتها بالإنسان.. فهو خطوة أخرى في طريق الإصلاح والتنظيم لا مجرَّد ورقة في سجل القوانين، بل يُمكِن أن نعدَّه رسالة تنبض بالعدالة الممزوجة بروح الإنسانيَّة.
إنَّ اللائحة الجديدة لتنظيم ترخيص العمل ومزاولته بمثابة جسر يربط بَيْنَ مصلحة صاحب العمل وكرامة العامل.. ويراعي متطلبات السوق وضرورات الإنسان.. ويجمع بَيْنَ القانون والضمير الإنساني.. فقد أكدت هذه اللائحة أنَّ التنمية الحقيقيَّة لا تُبنى على الأرقام وحدها، بل على العدالة الَّتي تمنح كُلَّ طرف حقَّه دون أن تثقل كاهل الطرف الآخر.. فمن يطَّلع على بنود القرار الوزاري يجد أنَّه يحمل إلى جانب التنظيم التيسير من خلال التسهيلات الَّتي أتيحت لأصحاب الأعمال في إجراءات الترخيص والتجديد والتعديل، وتقليل الغرامات وزيادة مدَّة التراخيص لتتواءم مع مدَّة إقامة العامل وكأنَّ هذا القرار يدرك تمامًا ما يريده أصحاب العمل خصوصًا من كبار السِّن غير القادرين على العناية بأنفسهم أو ذوي الاحتياجات الخاصَّة أو المرضى أو أُسر الدخل المحدود ليرفع عن كاهلهم عبء معاناة الاستغناء عن العامل وقت الحاجة.. فعندما نصَّ القرار على إعفائهم من رسوم الترخيص عند استقدام العمالة المنزليَّة فقد جسَّد قِيَم التكافل والرعاية الَّتي تميِّز المُجتمع العُماني، وليؤكد أنَّ العدالة الحقَّة لا تكتمل إلَّا حين تمتزج بالرحمة.
لا شك أنَّ قرار وزارة العمل يعكس الرؤية الوطنيَّة الواعية الَّتي تسعى إلى سوق عمل أكثر استقرارًا وتنظيمًا وإلى بيئة تنصف الجميع وتحفِّز الالتزام بالقوانين دون أن تتغافل عن ظروف الإنسان.. فهذا القرار يضع كُلَّ مَن يعيش على الأرض الطيبة في قلب التنمية، ويجعل من العدالة الاجتماعيَّة أساسًا للتنظيم الاقتصادي، ومن التسهيل سبيلًا إلى الازدهار.
إنَّ تحديث سلطنة عُمان الدائم لأنظمتها يأخذ بِيَدِ المَسيرة المظفرة نَحْوَ الكمال لأنَّه يجمع بَيْنَ القانون والقِيَم الأصيلة.. بَيْنَ الانضباط والرحمة.. لتظل بلادنا واحة عدل وحماية وإنصاف للعامل ولصاحب العمل؛ ليعلو شأن الإنسان في كُلِّ تفاصيل حياته.. ففي كُلِّ مرحلة من مراحل مسيرة النهضة العظيمة تثبت الدولة أنَّها لا تسير في درب التطوير بعين على الأرقام فقط، بل بقلب نابض بالإنسان وحكمة تلمُّ بأدقِّ تفاصيل معيشة المواطن.
إنَّ القرار الجديد يُعَدُّ خريطة طريق نَحْوَ سوق عمل منضبط ومنصف ومتطوِّر يراعي احتياجات أصحاب الأعمال، ويحفظ في الوقت ذاته كرامة العامل وحقوقه، ويجسِّد سعي الوزارة الدؤوب لتخفيف الأعباء وتطوير بيئة العمل بما يتواكب مع متطلبات المرحلة الراهنة والقادمة.. مع الأخذ في الاعتبار البُعد الإنساني العميق الَّذي لا ينظر إلى العمل بوصفه مجرَّد علاقة ماديَّة، بل علاقة إنسانيَّة تقوم على الاحترام والتكافل ممَّا يجعل من القرار وثيقة رحمة تجسِّد مفهوم الشراكة المُجتمعيَّة قَبل أن يكُونَ لائحةَ تنظيم، ويؤكد أنَّ الدولة ماضية في نهجها القائم على صون كرامة الإنسان ورعاية المستضعفين دون أن تغفل متطلبات الاقتصاد والتنمية.
لقد حمل القرار الجديد رسالة مهمَّة جدًّا مفادها أنَّ التنمية لا تقاس بحجم الاستثمارات فقط، بل بمدى رسوخ القِيَم الَّتي تصون الإنسان وتعلي من شأنه.. ففي كُلِّ سطر من القرار تتجلى روح المسؤوليَّة.. وهذه هي عُمان الَّتي تمضي بخُطى ثابتة نَحْوَ المستقبل مستندة إلى إرثٍ من الحكمة والتوازن، وإلى رؤية تجعل من العمل شرفًا، ومن التنظيم ضمانًا، ومن الرحمة قانونًا لا يقلُّ هيبة عن أيِّ تشريع.. ليجتمع الكُلُّ تحت مظلة واحدة من العدالة والرحمة والاحترام المتبادل.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني