تؤدي منصَّات التواصل الاجتماعي دَوْرًا محوريًّا في تحقيق مبادئ الحوكمة والشفافيَّة في عمل المؤسَّسات، وترسيخ فرص أكبر لمشاركة المُجتمع بمختلف فئاته في جهود التنميَّة المستدامة والتطوير النوعي عَبْرَ الاستثمار الأمثل في هذه المنصَّات، والتوظيف السليم لها بما يحقق فرص أكبر للإنتاجيَّة المؤسَّسيَّة، لذلك أصبحت هذه المنصَّات تمارس دَوْر الضغط على السياسات الحكوميَّة حَوْلَ المسار الَّذي يَجِبُ أن تتجهَ إليه في عمليَّات الإصلاح والتطوير والمراجعة والتقنين، وفي الوقت نفسه أصبحت أداة مهمَّة يعتمد عليها المُجتمع في تقييم الأداء الحكومي المؤسَّسي، والوقوف على الجهد المبذول فيه، حتَّى أصبحت أداة كاشفة للعمل، ووسيلة ناجعة لمعرفة أوجه القوَّة وجوانب الضعف والفرص والتحديات والاختلالات الحاصلة فيه في ظل ما أتاحته من خصوصيَّة التفاعل وسرعة الانتشار فرصًا تنافسيَّة في التعبير وإبداء الرأي وسرعة وصوله إلى متخذ القرار، وبالتالي إيصال صوت الشباب وأطروحاته ورأيه بكُلِّ مهنيَّة وشفافيَّة إلى الحكومة ومؤسَّساتها. لذلك بات ينظر اليوم إلى هذه المنصَّات كأحد مدخلات الشراكة المؤسَّسيَّة مع المواطن، وأحد أهم معززات الثقة في الجهد الحكومي، وباتت المؤسَّسات أحرص من أيِّ وقت مضى في متابعة ما يجري في هذه المنصَّات من تفاعلات وحوارات ونقاشات ووجهات نظر في مختلف الوسائط الرقميَّة المكتوبة والمسموعة والمرئيَّة حَوْلَ مجالات اختصاصاتها استشعارًا منها بأنَّ مسألة التقنيَّة والمنصَّات الاجتماعيَّة أصبحت اليوم عاملًا مؤثرًا في عمل المؤسَّسات والصورة الَّتي يقرؤها فيها المُجتمع والرأي العام، ومستوى التقدير الاجتماعي الَّذي تحصل عليه.
وقدَّمت بِدَوْرها منصَّة (x) ومن خلال الهاشتاقات، وإثارة بعض القضايا عَبْرَ هذه المنصَّات شفافيَّة أوضح وأصدق في عمل المؤسَّسات وكشف أوراق بعضها، وأعطت صورة واضحة حَوْلَ الأداء الحكومي، واستثارة الرأي العام حَوْلَ الكثير من القضايا المطروحة، الأمر الَّذي عزَّز من متابعة المؤسَّسات وحرص المسؤولين فيها لرصد ما يَدُور في هذه المنصَّات، واهتمامها بما يطرح فيها من قضايا، وأسْهَمت كأقل ما يقال في تقديم إجابة أو بيان مؤسَّسي لتوضيح الصورة حَوْلَ الموضوع المثار، والقرارات والتوجُّهات الَّتي اعتمدتها بشأن تحسين الوضع أو الوقوف على الواقع ورصد تجليات الحدث، كما أسهم في فتح المجال للالتقاء بالمواطن والاستماع إليه والإنصات له، وإشراكه في جلسات حواريَّة تفاعليَّة في توفير البدائل والحلول والمبادرات التحسينيَّة، كداعم يضع مؤسَّسات الجهاز الإداري للدولة أمام واقع جديد، يُمثِّل المواطن أو المُجتمع الجزء الأكبر في إدارته، وتصبح المؤسَّسات أمام خيار واحد فقط حتَّى تستطيع الاستمراريَّة والقدرة على التكيُّف مع العالم الرقمي الجديد ومتطلبات الذكاء الاصطناعي والتقنيَّات المتقدمة عَبْرَ قَبولها لهذه المعادلة التصحيحيَّة والاستثمار في هذه المنصَّات بما توفِّره من حلول وبدائل يطرحها الرأي العام لتبقى على صلة في رفع درجة الجاهزيَّة المؤسَّسيَّة في تشخيص الحالة وإدارة الواقع والعمل على تحسينه، واتخاذ إجراءات عمليَّة ومبادرات جادَّة وحزم تحفيزيَّة وتطويريَّة لتبسيط الإجراءات وتقليل الهدر والحدِّ من فاقد العمليَّات المتكررة،، وبالتالي إمكانيَّة توظيف نواتجها والاستفادة ممَّا يطرح فيها باستخدام عمليَّات التحليل والإحصاء واستطلاعات الرأي والمسوحات الدَّوْريَّة والتشخيص المستمر للحالة، الَّذي يساعد على تحديد اتجاهات الأفراد وقياس الرأي العام، الأمر الَّذي عزَّز من سرعة العمل على تجويد الممارسة المؤسَّسيَّة وتقديم تحليل ومؤشِّرات أداء متكاملة حَوْلَ موقع المؤسَّسات من هذا الحراك الاجتماعي عَبْرَ المنصَّات والقِيمة المضافة الَّتي تكتسبها في سبيل رفع مستوى الجودة في الأداء المؤسَّسي وتحقيق الابتكاريَّة والاستدامة فيه، وفْقَ آليَّات مقننة تستهدف تعظيم استثمار منصَّات التواصل في شراكات تفاعليَّة مع المواطن، وصناعة نموذج مؤسَّسي يستجيب لتطلُّعات المُجتمع ويستفيد من مرئيَّاته، ويحاكي في كفاءته تطلعات الشَّباب واهتماماتهم، وتصبح المنصَّات التواصليَّة بهذا المعنى أسلوبًا في الإدارة والتطوير يسهم في تحقيق معالجات أكثر عمليَّة واستدامة نابعة من رحم الواقع ومشكلاته.
من هنا لم تَعُدْ مسألة الثقة في الجهد الحكومي وفي أداء المؤسَّسات مبنيَّة على الاجتهاديَّة والمزاجيَّة والتكهُّنات وشخصنة الحالة، أو قائمة على تكهُّنات شخصيَّة، وانطباعات ذاتيَّة، بل خيار استراتيجي نابع من طبيعة التحوُّل الَّذي فرضته التقنيَّة وعمل المؤسَّسة ومسار السمعة المؤسَّسيَّة الَّذي باتَ على المحك في ظل تزايد معطيات هذا الدَّوْر وسرعته، والَّذي ينطلق من مفهوم أعمق للشراكة العمليَّة الفاعلة الَّتي تظهر في مساحات التكامل والتناغم وقَبول وجهات النظر والاستعداد المؤسَّسي لوضع المشاركة المُجتمعيَّة في سلَّم الأولويَّات، والقناعة بما يُمكِن أن تسهم به مشاركة المواطن في تقييم أداء الجهاز الإداري للدولة من فرص نوعيَّة تُعزِّز من كفاءة المؤسَّسات وقدرتها على التعامل مع تسارع المتغيرات وتزايد التوقُّعات المُجتمعيَّة من المؤسَّسات، وفق معايير وأُسُس واشتراطات تترجم على هيئة إحصائيَّات رقميَّة، ومؤشِّرات أداء نوعيَّة لقياس مستوى التقدم الحاصل في منظومة الأداء الحكومي يقلل من حالة العشوائيَّة والتخبط في القرار والاجتهاديَّة والفردانيَّة فيه، والهدر المالي والإداري والعمليَّات الروتينيَّة المتكررة، ويضع المسؤول الحكومي أمام مجهر تقييمي ذاتي يضمن امتلاكه خطَّة عمل واضحة ومسارًا أدائيًّا مقننًا، ويلتزم منهجيَّات وأُطرًا حددها القانون، كما يبرز مستوى الابتكاريَّة والتجديد فيه في مواجهة الرتابة والروتين، ويقلل من حالة المجازفة والمخاطرة غير المحسوبة، كما يضعه أمام مجهر المُجتمع ورقابته ومستوى ما يمنحه للمواطن من حضور في فِقه المؤسَّسة، هذا الأمر من شأنه توظيف التقنيَّة والتطبيقات الإلكترونيَّة الحكوميَّة في تحديد مسار العمل ومستوى بقاء المعاملات، وتكدُّسها لدى المسؤول وإنتاج الحلول وصناعة البدائل في مواجهة التحدِّيات أو التعاطي مع أولويَّات المواطنين ومستوى التقدير الَّذي تحظى به المؤسَّسة في الشأن الاجتماعي والمساحة الَّتي يمنحها للحوار والشركة، ومد جسور التواصل والحوار الداخلي، والتعامل النوعي مع الملفات الحسَّاسة ذات العلاقة بعمل المؤسَّسة.
على أنَّ استثمار حضور الشَّباب في المنصَّات التواصليَّة، وإيجاد أدوات للرصد والتقييم والتشخيص، وتوفير نماذج للقياس وتحليل الآراء والاستفادة من الحوارات والنقاشات وتوجيهها لصالح العمل المؤسَّسي الكفء، والانطلاقة منها لتنفيذ أولويَّات والخطط والبرامج، والتعريف بالمبادرات وتقييمها من خلال تبنِّي نماذج للقياس والتقييم توظّف عَبْرَ هذه الوسائط؛ سوف يسهم في استفادة المؤسَّسات من المنتج الفكري اليومي عَبْرَ مختلف الوسائط والأدوات الإعلاميَّة التقليديَّة والرقميَّة، بالإضافة إلى تعزيز الفرص جودة الحياة المؤسَّسيَّة وترسيخ معايير المنافسة فيها؛ هذا الأمر يستدعي اليوم وجود ـ مركز وطني لقياس الأداء واستطلاعات الرأي أو مختبر وطني متخصص يقرأ فكر الشَّباب ومبادراته ويجسِّد طموحاته في رفد المؤسَّسات، ويستفيد من أطروحاته في تحليل بيئة العمل وتصحيح انحرافات الواقع، وفي الوقت نفسه تبرز جوانب القصور، وعلامات الاستفهام الَّتي يطرحها المواطن، والإشارات والتعبيرات الَّتي يطلقها عَبْرَ هذه المنصَّات، هذا الأمر من شأنه أن يوفِّر معلومات أكثر ارتباطًا بالواقع اليومي، ويقلل من مساحة الاجتهاديَّة والتكهُّنات، ويعطي صورة واضحة حَوْلَ كفاءة الإجراءات الَّتي اتخذتها مؤسَّسات الجهاز الإداري للدولة ذات العلاقة في التعاطي مع الموضوع المثار، وآليَّة التعامل معه، والبدائل والحلول المناسبة لصناعة نموذج مؤسَّسي واعد، يجسِّد هذه الأنماط التفاعليَّة في نظامه الداخلي والعمليَّات الإداريَّة للمؤسَّسات؛ وبالتالي أن تقرأ في هذه الشراكة المرتقبة، مرحلة جديدة بالإسراع في التحوُّل الرقمي وجاهزيَّة المؤسَّسات في توظيف التقنيَّات الذكاء الاصطناعي، والاستفادة المحتوى الوطني في خلق نمط عمل مؤسَّسي أكثر مرونة وتفاعلًا مع الواقع وأكثر قدرة على توظيف هذه الشراكة في تعزيز كفاءة القرار المؤسَّسي وتجويد الممارسة، كما تضع المؤسَّسات أمام مسؤوليَّة إعادة ترتيب بيتها الداخلي وتصحيح ممارساتها، وبناء ذاتها، والتسويق لبرامجها، وتمكين الحوار الاجتماعي من تقديم نماذج وتطبيقات عمليَّة حَوْلَ صورة الشراكة ونواتجها وانعكاساتها على عمل المؤسَّسات، وقدرة هذه المساحة الحواريَّة على حلحلة رفع درجة الحوار عَبْرَ الوقوف الجمعي على التحدِّيات وإدارة حالة الاحتقان الاجتماعي الناتجة عن بعض السياسات والإجراءات المتخذة، بحيثُ تتعاطى مع ما تطرحه هذه المنصَّات والحسابات الموثقة من أطروحات ونقد وتصحيح وتشخيص بحكمة وتقبُّل واستشعار لرغبة التغيير وإعادة تصحيح المسار وتوجيه بوصلة العمل لضمان تقليل جانب الخطأ، وتوجيه المؤسَّسة نَحْوَ الوصول إلى عُمق المُشْكلة والمساعدة في توفير بدائل الحل والمعالجة.
د.رجب بن علي العويسي