منتدى الدقم الاقتصادي 2025 يستعرض الفرص ويؤكد على السياحة المتكاملة
الدقم ـ ليلى الرجيبية:
بدأت أمس أعمال منتدى الدقم الاقتصادي 2025، الذي تنظمه الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة تحت شعار: " الدقم تقود التغيير"، وذلك بفندق كراون بلازا الدقم، وتستمر أعماله على مدى يومين.
يحظى "المنتدى" في نسخته الثانية باهتمام كبير على الصعيدين المحلي والدولي، حيث تشهد نسخة هذا العام مشاركة واسعة من داخل وخارج سلطنة عمان، إذ يشارك فيه أكثر من 400 مشارك و54 متحدثاً، و12 مدير جلسة، منهم 23 خبيراً دولياً و19 خبيراً عُمانياً، يمثلون أكثر من 50 جنسية، كما يشهد المنتدى مشاركة من الرؤساء التنفيذيين وعدد من المستثمرين، ما يعكس التزام سلطنة عُمان بتنويع الاقتصاد وتعزيز الشراكات الدولية بما يتماشى مع "رؤية عُمان 2040".
رعى افتتاح المنتدى معالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية الذي أكد على أن المنتدى يدعم توجهات سلطنة عُمان في الدفع بنمو المشروعات النوعية واستكشاف الفرص الاستثمارية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وخاصة في المجالات التي لها ميزة تنافسية تدعم الصناعات التحويلية والصناعات الخضراء والطاقة النظيفة كالهيدروجين الأخضر والخدمات اللوجستية.
وقال معاليه أن الحكومة ملتزمة بتقديم العديد من الحوافز والمزايا الجاذبة للمستثمرين الجادين للاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والمناطق الاقتصادية والمدن الصناعية الأخرى، مشيرًا إلى أنه تم تشكيل فريق حكومي "فريق التفاوض" يتبع قطاع الاستثمار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار مكوّن من عدد من المسؤولين بالجهات الحكومية لتسريع أخذ الموافقات وتسهيل الصعوبات أمام كبار المستثمرين.
وأكد معاليه على أن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم تعد بيئة متكاملة تدعم العمل والمعيشة، وتعد من أكبر المناطق الاقتصادية الخاصة في الشرق الأوسط بمساحة تزيد على ألفين كيلومتر مربع وتستفيد من البنية الأساسية ذات الكفاءة العالية المتمثلة بالميناء التجاري والحوض الجاف لإصلاح السفن والمطار الذي يستقبل طائرات الركاب والشحن.
من جانبه قال معالي الشيخ الدكتور علي بن مسعود السنيدي رئيس الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة إن النسخة الثانية لهذا المنتدى تركز على جودة الحياة في الدقم كون أن محافظة الوسطى بها العديد من حقول النفط إلى جانب منتجات الطاقة المتجددة التي ستنشأ في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم؛ ما يتطلب أن تكون مركز مزوّد بالخدمات.
وأضاف معاليه في تصريح له أنه يتم خلال المنتدى بحث المنتجات المختلفة التي من الممكن أن تقدمها المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لجعلها منطقة مختلفة عن المناطق الاقتصادية الأخرى في العالم.
وبيّن معاليه أن المنتدى يأتي استكمالاً لمرحلة إنتاج الطاقة التي ركزت عليها المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في المرحلة الماضية ويجري حاليًّا مناقشة مرحلة استخدام تلك الطاقة المتجددة.
وأكد المهندس أحمد بن علي عكعاك، الرئيس التنفيذي للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في كلمته الافتتاحية للمنتدى على أن "المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم استطاعت على مدى السنوات الماضية تأكيد حضورها الاقتصادي والسياحي محليا ودوليا، حيث ارتفعت الاستثمارات الملتزم بتنفيذها في المنطقة حتى منتصف العام الجاري إلى أكثر من 6 مليارات و300 مليون ريال عماني (بما يعادل 16 مليارا و400 مليون دولار أميركي) مسجلة نموا بنسبة (5.3 %) مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ونموا بنسبة (71.8%) عن مستواها في نهاية عام 2022 والبالغ 3 مليارات و680 مليون ريال عماني.
وأكد على أن نمو المكانة الاقتصادية للدقم يعكس بيئة الاستثمار في سلطنة عُمان والجهود التي تبذلها الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في تحفيز الاستثمارات.
وأشار إلى أن استراتيجية المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم (2026 – 2030) التي تم إطلاقها في مارس الماضي، تهدف إلى تعزيز قدرات المنطقة وإمكانياتها لاستقطاب الاستثمارات، وتركز على أن تكون المنطقة الموقعَ الاستراتيجيَّ المفضل للطاقة المتجددة والصناعات المستدامة وبالشكل الذي يوفر فرصا عديدة للأعمال التجارية ويُسهم في تنشيط القطاع السياحي وتطوير نمط الحياة.
بدوره أكد أندرو مايكل باين، المدير الإبداعي العالمي لمجموعة إنتربراند الكلمة الرئيسية للمنتدى أن هناك الكثير من الفرص والتجارب للتعريف بما تملكه سلطنة عمان من إمكانيات، والسياحة العمانية أصبح لها في حد ذاتها هوية، وهي تجربة رائعة أثنت عليها منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، وأنه يمكن للسياحة العمانية أن تصبح من أفضل الماركات أو العلامات السياحية في العالم، خاصة في ظل ما تملكه سلطنة عمان من إمكانيات أبرزها هوية البلد، مشيرا إلى أن سلطنة عمان لديها فرصة أكبر من أي بلد آخر، وهي في الطريق لتكون الوجهة الأشهر في هذه المنطقة، كما يمكنها أن تنجح لأن تكون الوجهة المستدامة الأولى في المنطقة وان الوقت مناسب لتكون متطلباتنا في عنان السماء وعمان والدقم لديها الامكانيات التي تؤهلها وتجعلها يمكن أن تصل إلى ذلك.
ويناقش المنتدى على مدى اليومين ثلاثة محاور رئيسية تُشكّل ملامح عقد قادم من النمو في سلطنة عُمان، أولها بعنوان: " السياحة المتكاملة وتطوير أنماط الحياة "، تستعرض الفرص المتاحة لتطوير المنطقة سياحيا وتقديم منتجات جاذبة تعزز نمط الحياة، أما المحور الثاني فجاء بعنوان: " التصنيع الأخضر والصناعات المتجددة " إذ يشهد قطاع الصناعات الخضراء المعتمد على الطاقة المتجددة استثمارات كبرى قيد الدراسة وأخرى قيد التنفيذ، وجاء المحور الثالث بعنوان: " المدن الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي"، ويركز على بحث دور التكنولوجيا والبيانات في تصميم مدن ذكية ومرنة للمستقبل.
وشهدت فعاليات اليوم الأول للمنتدى توقيع عدد من الاتفاقيات، ضمت اتفاقية شراكة استراتيجيه بين شركة أوكيو (الشركة العمانية للصهاريج - أوتكو)، وشركة رويال فوباك الهولندية، وقع نيابة عن شركة أوتكو أشرف بن حمد المعمري، الرئيس التنفيذي للمجموعة، فيما وقع نيابة عن شركة فوباك كريس روبلي، الرئيس التنفيذي للشركة، وتشمل هذه الشراكة الاستثمار في إنشاء وتشغيل مرافق لتخزين المنتجات البترولية والكيميائية بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، مع خطط للتوسع مستقبلًا لتشمل مشاريع نوعية في مجالات الأمونيا الخضراء، والهيدروجين الأخضر، بما يعزز مكانة سلطنة عُمان كمركز لوجستي دولي، ويدعم توجهها نحو التنويع الاقتصادي والطاقة النظيفة.
وعلق على هذه الاتفاقية المهندس سالم بن مرهون الهاشمي، المدير التنفيذي للشركة العُمانية للصهاريج (أوتكو) قائلًا: تمثل هذه الشراكة مع شركة "رويال فوباك" الهولندية خطوة إستراتيجية محورية تعزّز مكانة الدقم كمنطقة اقتصادية عالمية تنافسية، وتُسهم في بناء منظومة طاقة متكاملة قادرة على مواكبة التحوّل العالمي نحو أنظمة أكثر ترابطًا واستدامة.
وأكد الهاشمي على أن تأسيس الشركة الجديدة، التي تمتلك فيها "أوتكو" نسبة 51% و"فوباك" 49%، يشكّل نقلة نوعية في مسار تطوير وتشغيل مرافق تخزين وتصدير متقدمة في الدقم، صُمّمت لتلبية احتياجات تدفقات الطاقة العالمية.
فيما وقّعت اتفاقيه شراكة استراتيجيه بين شركتي "تنمية طاقة عمان"، و"سوميتومو كوربوريشن" اليابانية، وقع عن الشركة الأولى مازن بن راشد اللمكي، الرئيس التنفيذي لشركة تنمية طاقة عمان، فيما وقع عن الشركة اليابانية ماشاهيرو يوشيمورا المدير العام للشركة، وتهدف الاتفاقية إلى تأسيس وإدارة شركة متخصصة في إدارة سلسلة التوريد لقطاع الطاقة، وذلك ضمن مشروع إستراتيجي مشترك في سلطنة عمان.
كما وقّعت مذكرة تفاهم بين المنطقة الاقتصاديه الخاصة بالدقم والشركة العُمانية لتنمية المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم " تطوير"، وشركة الأبرار العقارية - التابعة لمجموعة السيابي الدولية، لتطوير مشروع سياحي وسكني وتجاري متكامل في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وقع الاتفاقية نيابة عن المنطقة الاقتصادية بالدقم المهندس احمد بن علي عكعاك الرئيس التنفيذي للمنطقة فيما ويقع عن تطوير المهندس عبدالله الوهيبي الرئيس التنفيذي للشركة ووقعها عن شركة ابرار الشيخ سالم بت علي السيابي رئيس مجلس الإدارة .ووقّعت اتفاقية شراكة استراتيجيه بين شركة "مرافق" الدقم، والجامعة الألمانية للتكنولوجيا في سلطنة عُمان، وتنص الاتفاقية على أن تقوم شركة مرافق بتمويل إنشاء المجمع الاجتماعي لمرافق في المنطقة، في حين ستتولى الجامعة الألمانية للتكنولوجيا تنفيذ عملية البناء باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى إدارة وتشغيل المجمع على المدى الطويل بعد اكتماله، وقع الاتفاقية عن شركة مرافق يسرى بنت حمد البوسعيدية الرئيس التنفيذي للشؤون المالية بالشركة وعن الجامعة الألمانية عباس بن حمدان العجمي نائب رئيس الجامعة المساعد للشؤون الإدارية.
كما وقعت مذكرة تفاهم بين شركة ميناء الدقم، وشركة نيبون يوسن لاين اليابانية، وتهدف المذكرة إلى تطوير التعاون الاستراتيجي بين الطرفين في مجالات النقل البحري والبنية الاساسية للميناء بما يعزز مكانة ميناء الدقم كمركز بحري ولوجستي محوري في المنطقة، وقع الاتفاقية عن ميناء الدقم ريجي فيرمولين الرئيس التنفيذي للميناء فيما وقع عن شركة نيبون يوسن لاين، يوجي أوتسوكا المدير العام لقسم الاعمال الخاصة بالضائع الجافة والطاقة ومجموعة تنسيق الاعمال .
وتضمنت فعاليات اليوم الأول للمنتدى أربع جلسات، شهدت نقاشات موسعة رفيعة المستوى، شارك فيها كوكبة من المسئولين الحكوميين وصناع القرار، والمستثمرين وقادة الأعمال، والأكاديميين والخبراء الاقتصاديين من حول العالم، حيث جاءت الجلسة الأولى بعنوان: "إطلاق الفرص"، وتناولت هذه الجلسة: كيف تُشكّل هذه الإنجازات ميزة تنافسية لسلطنة عُمان، حيث توجه "رؤية عُمان 2040" وهدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050 الاستثمارات نحو قطاعات واعدة تشمل الطاقة المتجددة، والسياحة، والتصنيع، واللوجستيات، إلى جانب الثروة السمكية، والشبكات الرقمية، وتطوير الكفاءات الوطنية.
وجاءت الجلسة الثانية تحت عنوان: "تجربة الدقم - صياغة سرد جديد للسياحة الفاخرة والمغامرات"، واستعرضت هذه الجلسة: إمكانيات الدقم لتكون وجهة عالمية للمسافرين الباحثين عن الرفاهية الواعية والمغامرات المشوقة. كما ناقشت الفرص الناشئة في تطوير المنتجعات المستدامة، والسياحة البيئية الراقية، والمغامرات البحرية والصحراوية، وتجارب الانغماس الثقافي. وتناول المتحدثون البنية الأساسية المطلوبة، والاستثمارات، والشراكات اللازمة لتحقيق هذا الطموح، إلى جانب التحديات المتعلقة بالتوازن بين الحفظ والتنمية، وايجاد تجارب شخصية استثنائية، وتحقيق أعلى مستويات الفخامة. إذ قيمة سوق السياحة الفاخرة عالميًا تُقدّر بنحو 1.7 تريليون دولار أمريكي، ويتواصل النمو مع سعي الأفراد ذوي الثروات العالية وراء تجارب حصرية وأصيلة. وفي المقابل، بلغت قيمة سوق سياحة المغامرات 804 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.6 تريليون دولار بحلول عام 2032، وهو ما يعكس اهتمام المسافرين بتجارب فريدة لا تُنسى. وتُعد كلا الفئتين من أولويات وزارة التراث والسياحة في سلطنة عمان.
وناقشت الجلسة الثالثة كيفية "بناء نموذج سياحي متجدد"، وكشفت الجلسة كيف يمكن للدقم أن تتصدر المشهد الإقليمي من خلال تطبيق استراتيجيات أعمال مبتكرة وأطر استثمارية تُعيد إحياء البيئات الطبيعية، وتُحقق في الوقت ذاته قيمة اقتصادية مستدامة. كما تناولت الجلسة آليات التمويل المبتكرة، من السندات الخضراء إلى محافظ الاستثمار ذات الأثر، التي يمكن أن تدعم تطوير السياحة التجديدية.
فيما ناقشت الجلسة الرابعة: المخطط الأخضر - التصنيع في عصر الحياد الكربوني، وأكد المشاركون في الجلسة على أن "الدقم" تُعيد صياغة قواعد التصنيع في عصر الحياد الكربوني، من خلال تسخير الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، لدفع ثورة صناعية مستدامة. ومن المشاريع الرائدة من الجيل القادم، إلى استضافة منشآت متقدمة لإنتاج الأمونيا والهيدروجين الأخضر، وأن الدقم تُجسد كيف يمكن للتقنيات والبنية الاساسية أن تتماشى مع حماية البيئة، وكيف يتطور التمويل لدعم هذا التحول. كما أكد المشاركون على الموارد الطبيعية الغنية في الدقم - من الشمس والرياح، إلى الموانئ المتقدمة والمرافق المتكاملة - تُشكّل قاعدة مثالية للتمويل الأخضر. ويجذب هذا المزيج الفريد المستثمرين والمؤسسات ذات التوجهات البيئية والاجتماعية والحوكمة، لما توفره المنطقة من مشاريع قابلة للتمويل والتوسع، تُعالج تحديات المناخ وتُحقق قيمة مستدامة طويلة الأجل.