السبت 07 يونيو 2025 م - 11 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

العدوان الإسرائيلي على غزة.. تاريخ حافل بمجازر ضد المدنيين

العدوان الإسرائيلي على غزة.. تاريخ حافل بمجازر ضد المدنيين
الاثنين - 04 مارس 2024 05:33 م

محمد عبد الصادق

10

عِنْدما التحقتُ بمقاعد الدِّراسة في العام 1970م كان الزيُّ المدرسي المعتمَد في عموم مصر (كان اسمها الجمهوريَّة العربيَّة المُتَّحدة في ذاك الوقت)، زيًّا لونُه «بيج» يُشبه الزيَّ «الكاكي» الَّذي كان يرتديه الجيش المصري، وكان يُصنع من قماش متين تنتجُه مصانع المحلَّة الكبرى، يُسمَّى «تيل نادية»، وظلَّ هذا الزيُّ معتمَدًا، حتَّى تمَّ تغييره في الثمانينيَّات إلى اللَّون «اللَّبني»، ولا أدري هل للأمْرِ علاقة باتفاقيَّة «كامب ديفيد»، الَّتي تغيَّر بعدها اسم وزارة الحربيَّة إلى الدِّفاع، وتمَّ تغيير زيِّ الجيش إلى اللَّون الزَّيتي، والنَّشيد الوطني من «والله زمان يا سلاحي إلى بلادي بلادي».

ما زلتُ أتذكَّر ما حدَث في شهر أبريل من ذاك العام، عِنْدما شنَّت طائرات الفانتوم «الإسرائيليَّة» هجومًا بربريًّا بالقنابل والصواريخ على مدرسة بحر البقر الابتدائيَّة المشترَكة الواقعة في قرية تحمل نَفْس الاسم تابعة لمركز الحسينيَّة بمحافظة الشَّرقيَّة، أدَّى الهجوم إلى استشهاد (30) طفلًا وإصابة (50) آخرين وتدمير مبنى المدرسة بالكامل، وكان التلفزيون وقتها أبيض وأسود، وعقب نشرة التَّاسعة مساءً تمَّ عرضُ لقطات من موقع المذبحة، لبقايا أحذية الأطفال وما تبقَّى من أدواتهم المدرسيَّة، ولقاءات مع الأهالي المكلومين، واتَّشحت مصر كُلُّها بالسَّواد حزنًا على الأرواح البريئة الَّتي حصدتها آلةُ الحرب الأميركيَّة دُونَ أن يهتزَّ لها جِفن.

ندَّدت مُعْظم دوَل العالَم بالغارة الوحشيَّة، ووصلَ الغضبُ إلى الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، بعد أن بعَث التَّلاميذ النَّاجون من المذبحة برسالة إلى باتريشيا نيكسون حرم الرئيس الأميركي، يسألونها فيها: هل ترضينَ أن يفعلَ بأولادك وأحفادك مِثلما حدَث لزملائنا على مقاعد الدِّراسة بسلاح أميركي؟!

تحت ضغطِ الرَّأي العامِّ الدولي السَّاخط على ما ارتكبته «إسرائيل»، خرج موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي، يُبرِّر أنَّ سببَ الإغارة على المدرسة هو تشابُه الزيِّ الَّذي يرتديه التَّلاميذ مع زيِّ الجيش المصري، وأنَّ المصريِّين حوَّلوا المدرسة لمنشأة عسكريَّة يخفون داخلها الصواريخ، وأنَّهم اتَّخذوا من الأطفال دروعًا بَشَريَّة.

وهي نَفْس الادِّعاءات الَّتي تُردِّدها «إسرائيل» حتَّى الآن؛ لِتبريرِ عدوانها على المَشافي والمدارس والأحياء السكنيَّة في قِطاع غزَّة، وكان آخرها المَشاهد المُروِّعة الَّتي بثَّتها لمذبحة دوَّار النَّابلسي، لِتظهرَ أنَّ سائقي شاحنات المساعدات هُمْ مَن قاموا بدهس الغزاويِّين، الَّذين تدافعوا حَوْلَها للحصول على حصَّة من الغذاء تبقيهم على قَيْد الحياة، واتَّضح أنَّ اللَّقطات تمَّ فبركتها، وتعمَّد المتحدِّث باسمِ الجيش «الإسرائيلي» إذاعتها صامتة بِدُونِ صوت، حتَّى لا تفضحَهم طلقات المدافع وقذائف الدبَّابات الَّتي ظهرت وسط الحشود، ولَنْ نستغربَ خروج الرئيس الأميركي اليوم أو غدًا يعلنُ تبنِّيه الرِّواية «الإسرائيليَّة»، كما حدَث من قَبْل عشرات المرَّات من أسلافه الواقعِين تحت سيطرة اللوبي الصهيوني المهيمن على مؤسَّسات الحُكم في أميركا.

في حرب أكتوبر 1973، أسقطت قوَّات الدِّفاع الجوِّي المصريَّة طائرة فانتوم فوق بورسعيد، واستطاع طاقم الطَّائرة القفز بالمظلَّات، ولكنَّه وقعَ في أيدي الأهالي الَّذين سلَّموهم للجيش، وكان من بَيْنِهم كابتن طيَّار تدعى «آمي حاييم» اعترفت أنَّها شارَكتْ في غارة بحر البقر، وأقرَّت بأنَّهم قصفوا المدرسة بالقنابل والصواريخ عن عمدٍ، وأنَّ تعليمات القيادة كانت الهجوم على أهداف مدنيَّة في العُمق المصري، من أجْلِ بثِّ الرُّعب بَيْنَ المصريِّين وردْع عبدالناصر لِيوقفَ حرب الاستنزاف الَّتي كبَّدت «إسرائيل» خسائر فادحة. وبالفعل استهدفت الطَّائرات «الإسرائيليَّة» ـ في هذه الفترة ـ قناطر نجع حمادي وجسر دندرة بجنوب مصر، ومصنع أبو زعبل بجنوب القاهرة، وراح ضحيَّة هذه الهجمات مئات الضحايا المَدَنيِّين.

محمد عبد الصادق

كاتب صحفي مصري