أيها الأحباب.. توقنا في اللقاء السابق عندما أسكن الله تعالى آدم وزوجه الجنة، وأذن لهما أن يأكلا من ثمارها إلا شجرة واحدة منعهما عن الاقتراب منها ونهاهما سبحانه وتعالى عنها، وبين لهما عاقبة المعصية واتباع هوى النفس، وعدم الامتثال، فلم يكتفي إبليس بأنه عصى ربه وهو بين يديه لعدم امتثاله حينما أمره بالسجود لآدم وهو بين الملائكة على الرغم أنه تشريف كبير له لو كان يعلم، ثم وجد نفسه - لعنه الله - قد سنحت الفرصة ليبدأ تنفيذ ما توعد به أمام ربه لغواية آدم وبينيه وذريته، فأسرع بالوسوسة لآدم ولزوجه ليأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها، ليقنع نفسه أن آدم العظيم الذي سجدت له الملائكة الأطهار قد يعصي هو أيضًا، وأنه ليس هو الوحيد الذي عصى ربه، فلم يكل ولم يمل، بل كان شديد الحرص على إغوائهما وإيقاعهما في المعصية، على الرغم من أن آدم وحواء لم يستجيبا له ولم يرضخا لوسوسته، بل قاوماها بكل الطرق، ولكنه ـ لعنه الله ـ استعمل معهما سياسة النفث الطويل، وكانت فكرته في ظاهرها النصح والإرشاد، وفي باطنها الترك والإبعاد، غايته الظاهرة أن يكونا من الخالدين ومراده الخفي، صار يراوغهما ويقسم لهما أنه صادقًا، ودخل لهما من مدخل الرغبة في الحياة وحب التملك وطول البقاء واعتمد في هذا الأمر لإقناعهما على أن هذه نقاط ضعف في كل نفس بشرية، وليس هذا فحسب، بل إنه تجرأ على الذات الإلهية فيقسم بالله لهما كذباً أنه لهما من الناصحين وأنه يريد لهما الخير فيما يدعوهما له زاعماً أنه على علم أكثر منهما، وقام بدور الناصح الأمين والصديق المخلص الذي يريد النفع والرفع، وأقنعهما بالنصيحة الخبيثة على أنها نصيحة مباركة طيبة، فماذا تنج عن ذلك؟ لقد نتج عنه بكثرة أساليبه وطول إلحاحه وزيادة وسوسته وقوع آدم وزوجته في المعصية، فأكلا من الشجرة التي نهيا عنا، وسرعان ما ظهرت لهما عوراتهما حالما أكلا منها، ووقفا موقف الخاسر وهما يجمعان الكثير من ورق الأشجار ويلصقانه على جسديهما ليسترا به عوراتهما، والعجيب والمدهش أن الله أنعم علينا بأن عرّفنا أن إبليس عدونا الأول، ومع ذلك الكثير من البشر يطيع إبليس في وسوسته وهو يعلم أنه عدوه.
حقًّا إنه لعجيب من بعض البشر أنهم يعرفون أن إبليس عدوهم اللدود وخادعهم المبين، ثم لا ينتبهون إلى خطواته واستدراجه، ولا يحذروا من تتبعها خطوة خطوة، وأنه يظل يلازمهم باستدراجه البطيء وكيده الخفي، ويظل بهم حتى يوقعهم في شراكه ويزيلهم من الطاعة إلى ذلة المعصية. والخلاصة: أنت يا أخي الذي استشارك أخوك لصداقة بينكما وثقة تضمكما ومصاحبة نالت شيئًا من الديمومة بينكما، قد تطرأ على قلبك حين النصيحة وسوسة من الشيطان ليرديك إلى مكان سحيق لا جار فيه ولا صديق، فانتبه وأفق واستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأعرض عن هذه الوسوسة وتلك الأفكار، وادفعها عنك حتى تؤثر فيك، ولا تركن إلى نفسك، والزم النصيحة الصادقة، وتذكر لأخيك مواقف طيبة كانت بينكما وأعمالا صالة قام بها لك، ولا تنكر له الجميل فتحيق عن الحق وتميل.
وأخيرًا.. أسال الله إن يرزقنا صداقة أهل الصدق والثقة، والمصداقية وحق الصحبة.
محمود عدلي الشريف