الاثنين 13 أكتوبر 2025 م - 20 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : سلاسل التبريد تعبر عن اقتصاد القيمة المضافة

الاثنين - 13 أكتوبر 2025 03:40 م

رأي الوطن

10

يأتي إسناد الهيئة العامَّة للمناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة والمناطق الحُرة لمناقصة الخدمات الاستشاريَّة لمشروع التجمُّع الاقتصادي المتكامل لسلاسل التبريد في الدقم، خطوةً جديدة تؤكِّد أنَّ سلطنة عُمان تَسير نَحْوَ بناء منظومة لوجستيَّة عصريَّة تتجاوز المفهوم التقليدي للموانئ والمناطق الصناعيَّة إلى نموذج اقتصادي متكامل قائم على القِيمة المضافة وسلاسل الإمداد الذكيَّة. ويجسِّد المشروع نقلةً نوعيَّة في التفكير الاقتصادي نَحْوَ بناء منظومات إنتاجيَّة مترابطة تُدار بمعايير الكفاءة والتنافسيَّة، بما يَضْمن تعزيز جودة الصادرات الوطنيَّة ورفع قدرتها على النفاذ إلى الأسواق العالميَّة. وجاء اختيار الدقم كمقرٍّ لهذا المشروع باعتباره قرارًا استراتيجيًّا يستند إلى ما تمتلكه المنطقة من منظومة متكاملة تشمل الميناء الحديث، وميناء الصيد البحري متعدد الأغراض، وشبكة طُرق واسعة تربط مختلف المناطق الاستثماريَّة، لِتتحولَ الدقم إلى مركز محوري يرسخ موقع السَّلطنة في قلب التجارة العالميَّة الحديثة.

لعلَّ أهمَّ ما يُميِّز مشروع سلاسل التبريد في الدقم أنَّه يُمثِّل بنية استراتيجيَّة لإعادة تعريف مفهوم الصادرات الوطنيَّة ضِمن سلسلة القِيمة العالميَّة. فالمشروع يربط بَيْنَ مراحل الإنتاج والتخزين والنقل والتوزيع في منظومة واحدة، تدار بمعايير الكفاءة والجودة، الأمر الَّذي يرفع من جاهزيَّة المنتج الوطني للوصول إلى أسواق جديدة، ويُعزِّز ثقة الشركاء الدوليين في القدرات اللوجستيَّة لسلطنة عُمان. ومع التحوُّلات المتسارعة في منظومة التجارة العالميَّة، تتَّجه البلاد إلى توطين التقنيَّات الحديثة في مجالات التبريد والنقل الذَّكي وإدارة البيانات، في إطار رؤية اقتصاديَّة تراهن على التكامل بَيْنَ القِطاعات بدل الفصل بَيْنَها، كما يجسِّد هذا التحوُّل وعيًا مؤسَّسيًّا جديدًا يرى في اللوجستيَّات محورًا لإعادة تشكيل هيكل الاقتصاد الوطني، من خلال بناء سلاسل قِيمة متكاملة تعظِّم العائد من كُلِّ حلقة إنتاجيَّة وتخلق دَوْرة اقتصاديَّة متصلة، تبقي رأس المال الوطني في حركة مستمرة داخل السوق.

إنَّ مشروع سلاسل التبريد في الدقم يُمثِّل حلقة متقدمة في منظومة التنمية المتكاملة الَّتي تجمع بَيْنَ الصناعة واللوجستيَّات والقِطاعات الغذائيَّة والسمكيَّة، ويعكس أُسلوبًا جديدًا في إدارة المناطق الاقتصاديَّة يقوم على التكامل لا التجزئة. فالمنطقة الاقتصاديَّة الخاصَّة بالدقم تتحول تدريجيًّا إلى بيئة إنتاجيَّة مترابطة تتكامل فيها الموانئ والمصانع ومرافق التخزين والنقل ضمن رؤية واحدة تُدار بكفاءة ومرونة عالية، ويخلق هذا الارتباط العضوي بَيْنَ المشروعات منظومة متماسكة تدعم نُمو الصناعات الوطنيَّة، وتُعزِّز قدرة المنتج العُماني على الوصول إلى الأسواق الإقليميَّة والدوليَّة بجودة أعلى وتكلفة أقلّ، كما يُسهم المشروع في إعادة تشكيل مفهوم التنمية الإقليميَّة من خلال خلق شبكة إنتاج وتصدير متكاملة تمتدُّ آثارها إلى المحافظات، بما يُعزِّز التوازن في توزيع الفرص الاستثماريَّة ويكرِّس الدَّوْر الاقتصادي للدقم كنموذج وطني للتنمية المستدامة.

ويعكس إسناد أعمال هذا المشروع إلى شركة استشارات عُمانيَّة مرحلة جديدة في مسار التنمية الوطنيَّة، تؤكِّد أنَّ الكفاءات المحليَّة أصبحتْ جزءًا فاعلًا في صياغة المشروعات الاستراتيجيَّة لا في تنفيذها فقط، هذه الثِّقة الَّتي تُولِيها مؤسَّسات الدَّولة للشركات الوطنيَّة تُمثِّل ترجمة عمليَّة لرؤية «عُمان 2040» في تمكين القِطاع الخاص، لِيقودَ مراحل النُّمو المقبلة، ويشارك في بناء اقتصاد يقوم على المعرفة والتقنيَّات الحديثة، خصوصًا مع اتِّساع دائرة المشروعات الكبرى في المناطق الاقتصاديَّة، حيثُ يبرز الدَّوْر الوطني للشركات الوطنيَّة؛ باعتبارها رافعةً للتنويع الاقتصادي وأداة لتعزيز السيادة الإنتاجيَّة، ويجسِّد مشروع سلاسل التبريد نموذجًا واضحًا لهذا التحوُّل، إذ يوحِّد الجهود الحكوميَّة والخاصَّة لبناء منظومة لوجستيَّة متكاملة تضع الدقم في قلب المشهد الاقتصادي الإقليمي، وتفتح أمام سلطنة عُمان آفاقًا أوسع لبناء اقتصاد مَرِن ومستدام يعتمد على كفاءة المواطن وقدرته على تحويل الرؤية إلى واقع.