يبدو للمرء بأنَّ العسكريتاريَّة «الإسرائيليَّة» تعتمد عددًا من التكتيكات الشريرة لبلوغ أهداف حكومة الكيان الصهيوني في غزَّة وفي سواها من أراضي فلسطين المحتلة، كالضفَّة الغربيَّة .
وأول هذه التكتيكات هو تحقيق هدف عسكري أساس، وهو: التطهير العِرقي Ethnic Cleansing، أي إخلاء البقاع الفلسطينيَّة من سكَّانها العرب الفلسطينيين عن طريق الإبادة، ولا يتحقق ذلك إلا بأسلوبَيْنِ (1) تخريب البقاع العامرة عَبْرَ مُدن قِطاع غزَّة، ولكن بطريقة تعتمد تحاشي المواجهة المباشرة والالتحام مع المقاتلين الفلسطينيين، خصوصًا وأنَّ القيادات العسكريَّة «الإسرائيليَّة» تدرك جيدًا بأنَّها لا تملك جنودًا مقاتلين قادرين على المواجهة المباشرة مع مقاتلي فلسطين الأشداء الَّذين يقاتلون من أجل بلادهم، فهم ليسوا مهاجرين قادمين من بقاع الأرض المختلفة مثل الصهاينة؛ لأنَّهم أبناء أرض فلسطين وقراها وحواضرها. ودليل ذلك هو: أنَّ قوَّات الدفاع «الإسرائيلي» تتردد الآن في دخول مُدن قِطاع غزَّة بسبب الخوف؛ لأنَّ قياداتهم تعرف جيدًا بأنَّ جنودهم لا يُمكِن أن يقاتلوا حتَّى آخر رمق، خصوصًا عِندَما تتحول المواجهات المباشرة إلى الالتحام في معارك بالسلاح الأبيض. وهنا يستحيل على الجنود «الإسرائيليين» تحقيق أيِّ نصر أمام مقاتلي فلسطين الأشاوس الَّذين يدافعون عن أهلهم وأرضهم وعرضهم.
لذا، ليس من الغريب أن تعتمد الاستراتيجيَّة العسكريَّة «الإسرائيليَّة» على ذلك النوع من القتال: أي «القتال عن بُعد»، بمعنى استخدام التقنيَّات العسكريَّة المتقدمة الَّتي تضطلع بالقتل والتخريب عن بُعد، دون الحاجة لمواجهات عسكريَّة «وجهًا لوجه» مع مقاتلين فلسطينيين بواسل. وعليه، تواصل القوَّات «الإسرائيليَّة» عمليَّات «التطهير العِرقي» عن بُعد، أي باستخدام الأسلحة الَّتي تضمن للجندي «الإسرائيلي» أن يبقى بعيدًا عن المقاتل الفلسطيني، وهذا يتطلب اعتماد سلاح الجو ومدفعيَّة الميدان وسلاح الصواريخ، وهي الأدوات الَّتي تكفل الإبادة وتخريب مُدن قِطاع غزَّة، درجة تحويلها إلى خرائب غير قابلة لاحتضان الاستقرار البشري أو حتَّى لبقائه على قيد الحياة، وبذلك تتحقق أهداف التطهير العِرقي واضحة المعالم عن طريق التجويع والقتل، أو التهجير القسري، كما فعل مجرمو الحرب «الإسرائيليون» منذ بداية حرب غزَّة قبل حوالي سنتين.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي