الخميس 09 أكتوبر 2025 م - 16 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : خطوة جديدة فـي الانفتاح المتوازن على العالم

الثلاثاء - 07 أكتوبر 2025 03:20 م

رأي الوطن

350

تُمثِّل زيارة الدولة الَّتي قام بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى جمهوريَّة بيلاروس محطَّة جديدة في مسار الانفتاح المتوازن الَّذي تنتهجه سلطنة عُمان في علاقاتها الدوليَّة، إذ تؤكد من خلالها أنَّ بناء الشراكات يقاس بعُمق المصالح وتكامل الرؤى لا بقرب المسافات. فاللِّقاء الَّذي جمع جلالته بفخامة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو عكس رؤية واضحة لنهج السلطنة في إدارة علاقاتها، وهو نهج يزاوج بَيْنَ الحياد الإيجابي والتعاون الاقتصادي الفعَّال، حيثُ جاءت المباحثات الموسَّعة بَيْنَ الجانبَيْنِ لتفتح صفحة جديدة من التعاون تقوم على المصالح المشتركة وتبادل الخبرات في مجالات حيويَّة كالاستثمار والصناعة والأمن الغذائي والنقل، في خطوة تُعزِّز التوَجُّه السامي لتعظيم الاستفادة من ما تملكه البلاد من ثقل دبلوماسي وعلاقات راسخة تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخليَّة للدول، ومد جسور التعاون البناء بما ينعكس إيجابًا على مسار التَّنمية الاقتصاديَّة ويُعزِّز مكانة السلطنة في محيطها الإقليمي والدولي.

ويندرج هذا الحراك الدبلوماسي أيضًا في إطار رؤية سامية شاملة تسعى إلى جعل السياسة أداةً لخدمة الاقتصاد وتعزيز التَّنمية المستدامة، حيثُ تجسِّد المباحثات الَّتي أجراها جلالة السُّلطان ـ أعزَّه الله ـ مع فخامة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو مفهوم الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة بوصفها جسرًا نَحْوَ شراكات عمليَّة تقوم على تبادل المصالح لا تبادل المجاملات، وقد جاء حضور الوزراء المعنيين بالملفات الاقتصاديَّة والاستثماريَّة ليمنح الزيارة بُعدًا مؤسَّسيًّا يُعَبِّر عن رؤية واضحة تربط السياسة بالتَّنمية، وتحوُّل العلاقات الثنائيَّة إلى مشروعات ملموسة. وتظهر اللقاءات بَيْنَ الجانبَيْنِ رغبة متبادلة في توسيع التعاون في قِطاعات الإنتاج الحيوي، وفي مقدِّمتها الأمن الغذائي والصناعات التحويليَّة والنقل والخدمات اللوجستيَّة والسياحة، بما يتيح تنويع قنوات التعاون الاقتصادي وتوسيع آفاق الاستثمار بَيْنَ البلدين. ويأتي هذا التوجُّه منسجمًا مع مضامين رؤية «عُمان 2040» الَّتي جعلت من تنويع الاقتصاد وتعزيز الشراكات الدوليَّة ركيزة لتحقيق التوازن المالي والنُّمو المستدام، كما يعكس في الوقت ذاته قدرة السياسة العُمانيَّة على المواءمة بَيْنَ مبادئها الثابتة ومصالحها المتجددة في عالم سريع التغيُّر.

إنَّ ترجمة الرؤى السياسيَّة إلى نتائج ملموسة تُمثِّل جوهر الدبلوماسيَّة العُمانيَّة في عهد جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ، وهو ما تجسَّد بوضوح في الاتفاقيَّات ومذكّرات التفاهم الَّتي وقّعت خلال الزيارة، فقد شملت هذه الاتفاقيَّات مجالات متعددة تَمسُّ جوهر التَّنمية، منها الإعفاء المتبادل من التأشيرات، والتعاون في النقل البَري الدولي، إلى جانب مذكّرات التفاهم في قِطاعات الزراعة والصحة والقضاء، ما يؤسِّس لشراكة عمليَّة تمتد إلى مساحات حيويَّة من الاقتصاد والمُجتمع. ويُعَدُّ المشروع الاستثماري المتعلق بإنتاج اللّب الورقي نموذجًا لهذا التوجُّه، إذ يفتح آفاقًا جديدة أمام جهاز الاستثمار العُماني لتنويع محفظته الخارجيَّة وتعزيز وجوده في الأسواق الأوروبيَّة، بما يحقق مصالح مشتركة ويضع أساسًا لتعاون طويل الأمد، وتُمثِّل خريطة الطريق الثنائيَّة الَّتي وقّعت بَيْنَ البلدين إطارًا مؤسَّسيًّا يضمن استدامة هذا التعاون وتحويله إلى برامج تنمويَّة ملموسة تسهم في تعزيز النُّمو الاقتصادي وتعميق الثقة المتبادلة بَيْنَ الجانبَيْنِ.

لعلَّ أهمَّ ما تبرزه هذه الزيارة هو قدرتها على تجسيد النهج الوطني في بناء علاقات دوليَّة متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وتؤكد في الوقت ذاته انفتاح السلطنة على جميع الشركاء وابتعادها عن منطق الاستقطاب في عالم يزداد استقطابًا وتوترًا، فقد جاءت هذه الزيارة لتصبَّ أشكال التعاون الاقتصادي والاستثماري ضمن الدَّوْر السياسي العُماني الحريص على فتح الأبواب المغلقة بدبلوماسيَّة هادئة وبعيدة عن التشنجات والتكتلات، وهي دبلوماسيَّة أثبتت فاعليَّتها في ترسيخ مكانة السلطنة كجسر تواصل بَيْنَ الشرق والغرب، ومصدر ثقة في المحافل الإقليميَّة والدوليَّة، وتعكس هذه السياسة إدراكًا عميقًا لموقع عُمان كدولة تتعامل مع المتغيرات بعقلانيَّة وتوازن، وتستثمر في الحوار بوصفه أداة لحلِّ الخلافات وتحقيق الاستقرار، وهكذا تؤكد الزيارة أنَّ مسار السلطنة في ظلِّ القيادة الحكيمة لعاهل البلاد المُفدَّى، يمضي نَحْوَ توسيع الحضور الدولي للسلطنة بروح منفتحة، ورؤية سامية ترى في التفاهم طريقًا للتَّنمية والسلام معًا.