الأربعاء 08 أكتوبر 2025 م - 15 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : أفق جديد للدبلوماسية العمانية

الأحد - 05 أكتوبر 2025 03:20 م

رأي الوطن

70


تُمثِّل الزيارة السَّامية الَّتي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى جمهوريَّة بيلاروس محطَّة جديدة في مسار السياسة العُمانيَّة الَّتي تؤمن بأنَّ العلاقات بَيْنَ الدول تُبنى على المبادئ الراسخة لا على المصالح العابرة. فهذه الزيارة السَّامية تحمل في جوهرها رسالة للعالم، قوامها أنَّ التفاهم الإنساني والاحترام المتبادل هما أساس الأمن والاستقرار، وأنَّ الشراكات المتوازنة لا تنشأ إلَّا بَيْنَ أطراف تمتلك رؤية واضحة وإرادة صادقة في خدمة التَّنمية والسَّلام. لقَدِ اختطتْ سلطنة عُمان ـ بقيادة جلالته الحكيمة ـ نهجًا يقوم على التوازن والواقعيَّة، نهجًا يرى في الدبلوماسيَّة وسيلة لبناء المستقبل وصون الكرامة الوطنيَّة عَبْرَ انفتاح حكيم على العالم، والسَّير بخُطى ثابتة نَحْوَ ترسيخ مكانة السَّلطنة الدوليَّة كشريك يُعتمد عليه، يجمع بَيْنَ الحكمة السياسيَّة والرؤية الاقتصاديَّة، والقدرة على تحويل المبادئ إلى مصالح واقعيَّة تخدم الإنسان وتعزِّز السَّلام.

ومن هذا النَّهج السَّامي الراسخ تنطلق العلاقات العُمانيَّة ـ البيلاروسيَّة الَّتي جسَّدت على مدى أكثر من ثلاثة عقود نموذجًا للتقارب المتدرج القائم على الثِّقة والمصالح المتبادلة. فمنذُ إقامة العلاقات الدبلوماسيَّة بَيْنَ البلدين في يوليو 1992، سعتْ سلطنة عُمان إلى بناء شراكة تواكب تطوُّرات العصر، وتحافظ على روح الاحترام المتبادل الَّتي ميَّزت سياستها الخارجيَّة. وجاءت زيارة فخامة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو إلى مسقط في ديسمبر 2024 لِتؤسِّسَ لمرحلة جديدة من التعاون المؤسَّسي بَيْنَ الجانبَيْنِ، حيثُ تمَّ توقيع عددٍ من مذكّرات التفاهم في مجالات المنافسة وحماية المستهلك وتبادل المعلومات الماليَّة والثقافيَّة، ما عكس إرادة مشتركة لتطوير العلاقات من الإطار الدبلوماسي إلى فضاء الشراكة العمليَّة.. ومع الزيارة السَّامية لجلالة السُّلطان المُعظَّم الَّتي تنطلق اليوم، تتَّجه هذه العلاقات نَحْوَ أُفق أرْحَب من التعاون الاستراتيجي الَّذي يجمع بَيْنَ عُمق الثِّقة السياسيَّة ووضوح الرؤية الاقتصاديَّة، في إطار توازن دولي يتَّسع لصوت عُمان المعتدل وحضورها المتزن في محيطٍ عالمي متغيِّر.

ويُمثِّل هذا التطوُّر في العلاقات بَيْنَ سلطنة عُمان وجمهوريَّة بيلاروس انعكاسًا لنقلة نوعيَّة تقوم على الوعي بمستقبل العلاقات الدوليَّة الَّتي تحكمها المصالح الاقتصاديَّة والتقنيَّة. فالعالم يتَّجه نَحْوَ شراكات تصنعها المعرفة وتدعمها التكنولوجيا، وهو ما تدركه السَّلطنة بقيادة قائد البلاد المُفدَّى، في سعيها لترسيخ اقتصاد متنوع قائم على الابتكار والريادة، وتأتي هذه الزيارة السَّامية لِتمنحَ التعاون بَيْنَ البلدين بُعدًا استراتيجيًّا أوسع، حيثُ تتكامل الخبرات البيلاروسيَّة في مجالات الصناعات المتقدمة والذَّكاء الاصطناعي مع الرؤية العُمانيَّة الَّتي تضع التحوُّل الرَّقمي والاقتصاد المعرفي في قلبِ خططها التنمويَّة. وعليه، فإنَّ ما يجري هو تأسيس لبنية تعاون قادرة على إنتاج القِيمة الاقتصاديَّة والمعرفة في آنٍ واحد، ضِمن إطار من الاحترام والثِّقة المتبادلة، بما يُعزِّز مكانة عُمان كشريك يُعتمد عليه في صناعة اقتصاد المستقبل القائم على التقنيَّة والاستدامة.

إنَّ الزيارة السَّامية إلى جمهوريَّة بيلاروس تتجاوز حدود السياسة لِتعَبِّرَ عن رؤية متكاملة تُعيد تعريف مفهوم القوَّة الناعمة العُمانيَّة، حيثُ يلتقي الاقتصاد بالثقافة، والتقنيَّة بالإنسان. فالسَّلطنة تؤمن دائمًا بأنَّ العلاقات الناجحة هي الَّتي تُبنى على التفاهم الحضاري قَبل التبادل التجاري، وأنَّ الاستثمار في الثِّقة بَيْنَ الشعوب هو أعظم ما يُمكِن أنْ تُحققَه الدبلوماسيَّة الحديثة.. ومن خلال هذا النَّهج، تواصل القيادة الحكيمة لجلالة السُّلطان المُعظَّم ترسيخ حضور عُمان كدَولةٍ تجمع بَيْنَ الأصالة والانفتاح، وتحوِّل الحوار إلى مشروع سلام، والتعاون إلى مسار تنموي يخدم الإنسانيَّة جمعاء.. فزيارة جلالته ـ أبقاه الله ـ إلى بيلاروس تحمل في جوهرها وعدًا بمستقبل يتَّسع للتكامل والشراكة والتفاهم.