أثبت الفكر «الإسرائيلي» تجاه السَّلام والأمن والإنسانيَّة، ومن خلال تعامله على مدى التاريخ الإنساني المعاصر والقديم، وعلى مختلف المستويات والأصعدة، وفي كُلِّ المواقف، أنَّه ليس سوى نتاج محصلة لتفكير عصابي واضطراب نرجسي في مقوِّمات الشخصيَّة، بل ومحصلة لمجموعة من الأشخاص الكارهين لكُلِّ المُجتمعات الإنسانيَّة، فكر قائم على الكُره الأعمى للآخر، مع الضرب بعُرض الحائط كُلَّ الأعراف والمواثيق والقِيَم والمبادئ الدوليَّة والإنسانيَّة طالما أنَّ الآلة العسكريَّة «الإسرائيليَّة» تشعر بعنفوان قدرتها التقنيَّة، وتحوز على دعم الحكومة الأميركيَّة لها، أو أنَّها بذلك تحقِّق رغباتها الأيديولوجيَّة القائمة على أرضيَّة الزَّخم الغزير الواسع من المقدِّمات والمنطلقات السياسيَّة الفكريَّة السيكولوجيَّة للفكر السياسي الإرهابي الصهيوني «الإسرائيلي».
ولا مناص من القول إنَّ الحركة الصهيونيَّة شكَّلتها مجموعة من التنظيمات الإرهابيَّة الدمويَّة المستمرة حتَّى يومنا هذا، تنظيمات قائمة على أهداف استعماريَّة وتوسعيَّة، حيثُ تواصل مستعمرة الخوف والإرهاب الصهيونيَّة نهجها وطريقها بعد قيامها، فاكتمل الفكر السياسي الإرهابي الصهيوني باقتراف تلك التنظيمات ـ والحكومة «الإسرائيليَّة» ـ سلسلة طويلة متصلة مستمرة من المذابح الجماعيَّة الدمويَّة المروِّعة، وآخرها ما يحدُث في غزَّة من إبادة جماعيَّة واضحة للعالم، وعمليَّات تهديم وترحيل جماعي للمُدُن والقُرى والسكَّان، إضافة إلى سياسة تمييز عنصري منهجي، واغتيال وتصفيات دمويَّة، فضلًا عن مستعمرة المستوطنين اليهود الَّتي تشنُّ وحدها، تحت حماية جيش الاحتلال «الإسرائيلي» حربًا إرهابيَّة شرسة ضدَّ المَدَنيين الفلسطينيين.
نعم، فمن منطلق ذلك التفكير وتلك الأيديولوجيَّات، تتضح لنا التطلعات والأحلام الصهيونيَّة في أرض الرسالات والعروبة فلسطين، وإن كان ذلك ليس بجديد بكُلِّ تأكيد على كيان صهيوني حاقد لا يعرف عن السَّلام سوى ما يعزفه من سيمفونيَّة الدم والدموع في كُلِّ خطواته على مدى تاريخه الأسود الدامي بفلسطين العربي الحزين؛ تلك المعزوفة السوداء الظلاميَّة الَّتي سيظل صداها يتردد في كُلِّ أرجاء المعمورة، المعزوفة الداميَّة الَّتي كتَبها الغاصبون المستعمرون لأرض الرسالات والطُّهر فلسطين المُحتلَّة لِتلحقَ بغيرها من مجازر الغِل والكراهية.
فـ»إسرائيل» بهذه المجازر المتكررة والإبادة الجماعيَّة، والرؤية الظلاميَّة للبشريَّة والإنسانيَّة، تزيد رصيد إرهابها في سجلِّها الحاقد المضطرب بالنرجسيَّة، وذلك مع كُلِّ دمعة ألَمٍ تسقط من عين طفل يتيم فقَدَ أُسرته، أو أُمٍّ ثكلى غاب عن عينيها طفلها الرضيع، وغيرها من صوَر الحزن والألَم في كُلِّ مكان تسبَّبت فيه «إسرائيل» بألَمٍ ما لشخص ما، ولِتبقَى «إسرائيل» في أعيُن البشريَّة الكيان الَّذي خرق كُلَّ الأعراف والمواثيق السماويَّة والعهود الأرضيَّة، بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحريَّاته الصادر عن الجمعيَّة العامَّة في عام 1948، وقرار الجمعيَّة العامَّة الصادر في عام 1946 والَّذي يُعَدُّ إبادة الجنس البشري جريمة دوليَّة يعاقب عليها القانون، وكذلك قرار الجمعيَّة العامَّة الصادر في عام 1977 والَّذي أكد على ضرورة الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحريَّات الأساسيَّة.
ختامًا، إنَّ التعامل مع هذا النَّوع من الشخصيَّات النرجسيَّة المريضة لا يُمكِن أن يتحقق إلَّا بالمواجهة والإرادة السياسيَّة، وإشعاره بحدوده الَّتي تجاوزها، وإلَّا فإنَّه ـ وبلا شك ـ سيستمر في عنجهيَّته وغطرسته ونرجسيَّته، بل سيتمادى بشكلٍ أكبر، ولن يكُونَ لتلك الغطرسة حدود، وإن كان الأمر اليوم مسلطًا على أهل غزَّة، فغدًا ـ بلا شك ـ سيمتدُّ إلى غيرها من الأراضي العربيَّة، وهذا أمر قطعي ومن تجربة تاريخيَّة لا شك فيها أبدًا.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
MSHD999 @