إنَّ صُدور كتابِ «البُعد الرّابع في التّصميم الجرافيكي» يُعَدُّ مناسبةً للحديثِ عن مؤلِّفِه أكثر من موضوعِ الكِتابِ نفسِه، رغمَ أهميَّة ما تناوَلَهُ المؤلِّفُ في موضوعٍ يقعُ في صُلبِ اختصاصِه العمليِّ والأكاديميّ. ويُمكِن القولُ إنَّ الدّكتورَ فلاح حسن الخطَّاط قد صمَّمَ الكثيرَ من الصُّحفِ العراقيَّة الَّتي صدرت خلال ما يقربُ من أربعةِ عقود، أمَّا أغلفةُ الكُتبِ الَّتي أبدعَ في تصميمِها ببراعةٍ وتميّز، فرُبَّما هو شخصيًّا لا يستطيعُ إحصاءَها، إذ يتسابقُ المثقَّفونَ والمؤلِّفونَ لطلبِ تصميمِ غلافِ كتُبِهم من فلاح الخطَّاط.
وقد أسهَمَتْ عواملُ متعدِّدة في جعله قريبًا من المؤلِّفينَ والصحفيِّينَ والمثقَّفينَ بصفةٍ عامَّة:
* أوَّلُها أنَّه ابنُ عائلةٍ مثقَّفةٍ بامتياز؛ فوالدُهُ الرَّاحلُ حسن العتابي كان مثقَّفًا رصينًا، وشقيقُهُ الرَّاحل علاء حسن خطَّ مسيرةً لامعةً في الوسطِ الصحفيِّ والإعلاميّ، كما أنَّ شقيقَيهِ الأديبَيْنِ الدكتور جمال العتابي وأديب العتابي تركا أثرًا بارزًا في المشهدِ الأدبيّ. ورُبَّما من النَّادر أن تجدَ مثقَّفًا أو أديبًا عراقيًّا لا تربطُه علاقةٌ وثيقةٌ بهذه العائلة.
* أمَّا العاملُ الثاني فهو عملُ الدّكتور فلاح في مختلفِ الصُّحفِ اليوميَّة والأسبوعيَّة، حيثُ لائحةُ إنجازاتِه طويلةٌ جدًّا.
* والعاملُ الثالث يتأتَّى من عملِه أستاذًا للتَّصميمِ في أكاديميَّة الفنونِ الجميلة ببغداد، حيثُ حرصَ على المزجِ بَيْنَ جميعِ مساراتِه وصولًا إلى التَّكاملِ في موضوعٍ محوريٍّ واحد.
وقد اختارَ لتقديمِ كِتابِه المذكور واحدًا من أعمدةِ الفنِّ التَّشكيليِّ والتَّصميم، وهو الفنَّانُ «عبد الكريم سعدون»، الَّذي أضاء الكثيرَ من الجوانبِ الإبداعيَّة لدى المؤلِّف، وعزَّزَ ذلك بمحطَّاتٍ مشتركةٍ عاشَها الاثنان على مرِّ سنواتٍ طويلة. ولأنَّ الكِتابَ يناقشُ مصطلحًا متشعِّبًا وعميقًا، فقد جاءت كتابةُ سعدون لِتفتحَ النَّوافذ أمام القارئ الشَّغوف قَبلَ المتخصِّص، فكانَ الاختيارُ في غاية الدِّقَّة والتَّوفيق.
ومن أهمِّ إضاءاتِ عبد الكريم سعدون مرورُهُ بدقَّةٍ على «التَّصميمِ الطباعيّ»، الَّذي قد لا يتخيَّلُ الكثيرونَ من العاملينَ في الصِّحافةِ والطِّباعةِ والنَّشرِ في الوقتِ الحاضر تفاصيلَهُ، تلك الَّتي تطوَّرت ببطءٍ وعلى مراحلَ قَبل القفزاتِ الكبيرة الَّتي شهدَها عالمُ التَّصميمِ والإخراجِ الصُّحفيِّ في السَّنوات الأخيرة. كما أشارَ إلى العلاقةِ الَّتي جمعتْهُما وهما يعملانِ في خضمِّ التَّصميمِ الصُّحفيِّ والمجلَّات وعالمِ الكِتاب أيضًا.
أمَّا المؤلِّفُ الدّكتور فلاح فقَدْ منحَ القارئ خطوطًا واضحةً وعريضة، وبدلًا من اتِّباعِ المنهجِ الأكاديميّ التقليديِّ الَّذي يبدأ بتعريفِ المصطلح، اختار أن يفتحَ نوافذَ معرفيَّة منذُ الجملةِ الأولى، إذ يقول:
«لا تقتصرُ المعالجاتُ التَّصميميَّة على تقديمِ عناصرِها فحسب، أو على وفقِ توظيفِ أحدثِ التِّقنيَّات، بل هي القدرةُ في بناءِ سياقاتٍ جديدة في ضوءِ الفكرةِ التَّصميميَّة عَبْرَ التَّصوُّرِ الذهنيِّ وجعلِها تُثيرُ المتلقّي، فضلًا عن فاعليَّتِها في عمليَّة الإدراك، ثمَّ استدعاءِ مضامينِها بيسرٍ لتحيلَ إلى الفهمِ والتَّأويل فيما بعد».
ولِمَن يعرفُ التَّاريخَ الطويل للمبدعِ الدّكتور فلاح حسن الخطَّاط، يتلمَّس بعُمقٍ منهجَه في هذا المؤلَّف، ويُدركُ إلى أين يسيرُ وماذا يُريدُ أن يقول. وقد جاء هذا المؤلَّفُ ثمرةً لصقلٍ واسعٍ للتَّجربةِ الميدانيَّة، والدّراسةِ والتخصُّصِ العلميّ، مع حرصٍ متواصلٍ على تطويرِ قدراتِ المواهبِ الجديدة، الَّتي قد تفتِرسُها التِّقنيَّاتُ الحديثة إذا تمَّ الاعتمادُ الكلِّيُّ على الخوارزميَّات وما تُبطنُه من إلغاءٍ أو تثبيطٍ لكثيرٍ من الطَّاقات الإبداعيَّة.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي