خلال اجتماعات الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة الأسبوع الماضي، جرت مقاطعة خطاب رئيس وزراء الكيان المحتل الـ(نتنياهو)، حيثُ غادرت أعداد كبيرة من الوفود القاعة قبل أن يُلقي كلمته، في انسحاب منظَّم ومدروس، يرقى إلى فعل احتجاجي جماعي يفضح عزلة الاحتلال على الساحة الدوليَّة، ويكشف زيف ادعاءاته بشأن «الدفاع عن النفس» ليحمل هذا الانسحاب دلالات سياسيَّة ودبلوماسيَّة عميقة، تعكس حجم التوتر الدولي تجاه سياسات الكيان المحتل، خصوصًا في ظل الحرب على غزَّة، وسياسة الإبادة الجماعيَّة الَّتي ينتهكها جيش الاحتلال الدموي بأوامر من حكومة متطرفة يرأسها مُجرِم حرب ـ حسب محكمة العدل الدوليَّة ـ ومن أبرز هذه الدلالات هذا الاحتجاج الرمزي على السياسات الإجراميَّة الَّتي يرتكبها جنود الاحتلال من خلال مغادرة الوفود قبل الكلمة، وهي رسالة احتجاج دبلوماسيَّة واضحة ضد الممارسات الإجراميَّة، لا سِيَّما الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، خصوصًا في قِطاع غزَّة.
تُعَد المقاطعة وسيلة أكثر لباقة من المقاطعة الصريحة، لكنَّها قويَّة التأثير، خصوصًا إذا كانت من وفود دول كبرى أو مؤثرة، رفضت تشريع رواية مُجرِم الحرب رئيس وزراء الكيان المحتل الـ(نتنياهو) فعبَّرت الوفود المغادرة أنَّها لا تريد أن تُحسب كـ»مستمع محايد» لما تَعدُّه رواية مضللة أو تبريريَّة لأعمال عنف أو إبادة جماعيَّة، بحسب الاتهامات الموجهة لحكومة الكيان المحتل في الساحة الدوليَّة، تصعيد العزلة الدوليَّة للكيان المحتل في ظلِّ تصاعد الانتقادات على خلفيَّة الحرب في غزَّة، تمثِّل هذه الخطوة مؤشرًا على تزايد العزلة السياسيَّة للكيان المحتل حتَّى بَيْنَ شركاء سابقين أو دول كانت تتجنب اتخاذ مواقف مباشرة، في المقابل فهو مؤشر على دعم للفلسطينيين على الساحة الدوليَّة عبّر عنه بالانسحاب من قاعة الأُمم المُتَّحدة قبل خطاب الـ(نتنياهو)؛ مما يعكس تضامنًا مع الشَّعب الفلسطيني، ويرسل رسالة مفادها أنَّ المُجتمع الدولي لا يقبل بتجاهل معاناة الفلسطينيين أو التستر على ما يحدُث في غزَّة، قد تكُونُ بعض الدول تعبِّر أيضًا عن امتعاضها من السماح لمُجرِم الحرب الـ(نتنياهو) بالحديث دون محاسبة أو مساءلة، خصوصًا في ظل المطالب المتزايدة بتفعيل آليَّات العدالة الدوليَّة.
إنَّ مغادرة الوفود لقاعة الأُمم المُتَّحدة قبل خطاب الـ(نتنياهو) ليست مجرَّد خطوة بروتوكوليَّة، بل بيان سياسي صامت لكنَّه قوي، يحمل رسائل احتجاج، وتنديد، ورُبَّما حتَّى تحذير من الانفجار الدبلوماسي الكامل إن استمرَّت حكومة الكيان المحتل في تجاهل القرارات الدوليَّة، والدلالة الأبرز في هذا المشهد هي أنَّ المُجتمع الدولي، أو على الأقل جزءًا مؤثرًا منه، باتَ يرفض منح الكيان المحتل ورئيس وزرائه منصة مفتوحة لتزييف الحقائق أو تبرير الانتهاكات ضد الشَّعب الفلسطيني، وأنَّ الانسحاب جاء في توقيت دقيق، حيثُ تتصاعد وتيرة العدوان على غزَّة والضفَّة الغربيَّة، وتزداد الانتهاكات بحق القدس والمقدسات الإسلاميَّة والمسيحيَّة، وهو ما جعل الرسالة الدوليَّة أكثر وضوحًا بأنَّه لم يَعُد من المقبول أن يستمر الاحتلال في ارتكاب الجرائم ثم يجد مَن يستمع إلى خطاباته التبريريَّة، وباتَ واضحًا من خلال هذه الخطوة أنَّ هذا الكيان أصبح معزولًا ومنبوذًا على الساحة الدوليَّة، بَيْنَما يحاول الترويج لسرديَّته حَوْل «الأمن» و»مكافحة الإرهاب»، لتجيء هذه الخطوة من ممثلي دول العالم لتعطي إشارة رمزيَّة على عدم الاعتراف بشرعيَّة هذه الادعاءات، وأنَّ هذه العزلة تمثِّل ضربة مباشرة للدبلوماسيَّة الفاشيَّة للعدوِّ الصهيوني الَّتي سعى لعقود إلى اختراق المؤسَّسات الدوليَّة وفرض سرديَّته على العالم.
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن »