السبت 04 أكتوبر 2025 م - 11 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : شراكة عُمانية ـ سعودية ترسم ملامح التكامل الخليجي

الأربعاء - 01 أكتوبر 2025 04:35 م

رأي الوطن

90


تسعى سلطنة عُمان إلى تثبيت حضورها الإقليمي عَبْرَ نهجٍ جديد يترجم السِّياسة إلى اقتصاد، ويُحوِّل العلاقات الثنائيَّة إلى مشاريع ملموسة. فاللِّقاءات الأخيرة بَيْنَ وزراء الماليَّة والصِّناعة والمواصفات من الجانبَيْنِ العُماني والسُّعودي جاءتْ كخطوات عمليَّة في مسار متكامل، يُعِيد تعريف الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة، كما أنَّ الاعتراف المتبادل بشهادة المنشأ، وتفعيل مَنفذ الرُّبع الخالي، وتوسيع دَوْر الموانئ العُمانيَّة، كُلُّها إشارات على أنَّ النَّهج السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ يَقُود التحوُّل نَحْوَ جعل الجغرافيا العُمانيَّة رافعةً اقتصاديَّة، واستثمار الدبلوماسيَّة العُمانيَّة وما تملكه من سمعة طيِّبة وعلاقات متينة قائمة على أُسُس واضحة كمدخلات للتَّعاون التَّنموي والاقتصادي، هذا التَّوجُّه السَّامي يضع سلطنة عُمان في موقع يزاوج بَيْنَ المصالح الإنتاجيَّة والقدرات اللوجستيَّة، ويمنحها قوَّة ناعمة تُبنى على شراكة استراتيجيَّة راسخة مع المملكة العربيَّة السعوديَّة، بما يفتح الطَّريق لتأسيس مرحلة جديدة من التَّكامل الخليجي المبني على المصالح المشتركة.

وإذا كانت هذه الخطوات قد جسَّدتِ الجانب المؤسَّسي للتَّكامل، فإنَّ تفاصيلها تعكس أبعادًا استراتيجيَّة أعمق، فالمساواة بَيْنَ الشَّركات العُمانيَّة والسُّعوديَّة في المناقصات الحكوميَّة تفتح سوقًا أوسع للاستثمارات المشتركة، فيما يمنح الاعتراف المتبادل بشهادة المنشأ الصَّادرات العُمانيَّة سرعة وصول ويقلص من كلفة الإجراءات، أمَّا توحيد المواصفات القياسيَّة وإطلاق المسار السَّريع للمطابقة، فيرسم بيئة أكثر مرونة تُعزِّز القدرة التنافسيَّة، وتمنح المنتجات مساحة أكبر للانتشار في الأسواق الإقليميَّة والدوليَّة، فهذا المسار يترجم عمليًّا رؤية «عُمان 2040»، ورؤية «السعوديَّة 2030»، عَبْرَ بناء صناعات مشتركة تستفيد من القدرات المتبادلة وتؤسِّس لسلاسل قِيمة قادرة على اختراق أسواق إفريقيا وآسيا.

إنَّ هذا المسار المؤسَّسي للتَّكامل يكتسب زخمه الحقيقي من مشاركة القِطاع الخاصِّ، الَّذي تحرّك بالتَّوازي مع جهود الحكومات لِيمنحَ التَّعاون بُعده العملي، فقَدْ شكَّل مجلس الأعمال العُماني ـ السُّعودي ومَعرِض الامتياز التِّجاري منصَّات عمليَّة لترجمة الاتفاقيَّات إلى شراكات استثماريَّة ومشروعات واقعيَّة، حيثُ تمَّ توقيع (17) اتفاقيَّة امتياز تجاري، بالإضافة إلى إطلاق برامج تمويل مشتركة تسهِّل دخول الشَّركات إلى أسواق جديدة وتفتح أمامها مسارات توسُّع نوعيَّة، وهو ما يعكس انتقال الشَّراكة من إطار رسمي إلى ديناميكيَّة سوقيَّة، إذ باتَ روَّاد الأعمال والشَّركات الصَّغيرة والمتوَسِّطة جزءًا من منظومة النُّمو لا متلقّين لقرارات عُليا، والأرقام الَّتي سجَّلتها الصَّادرات والتَّبادل التِّجاري تُمثِّل دليلًا على أنَّ القِطاع الخاصَّ أصبح شريكًا فاعلًا في صياغة مستقبل العلاقة الاقتصاديَّة بَيْنَ البلدَيْنِ، لِيكُونَ ذلك عنوانًا للتَّكامل الاقتصادي ويُعطيَه طابعًا شاملًا يُحقِّق نتائج ملموسة.

ولعلَّ أفضل ما يُميِّز هذا المسار أنَّه يعتمد ـ بجانب التَّبادل التِّجاري واتفاقيَّات الامتياز ـ على رؤية استراتيجيَّة تُعِيد تعريف الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة في المنطقة، فالتَّوَجُّه نَحْوَ توحيد المعايير، وتفعيل المنافذ، وتوسيع الشَّراكات الاستثماريَّة، يُشكِّل حلقات متَّصلة في بناء قاعدة إنتاجيَّة وتجاريَّة مشتركة تمتلك القدرة على المنافسة إقليميًّا وعالميًّا. ويُقاس نجاح هذا التَّوَجُّه بقدرته على التَّحوُّل إلى مؤسَّسات دائمة مثل المناطق الصناعيَّة الحدوديَّة، والمختبرات المرجعيَّة، والصَّناديق الاستثماريَّة المشتركة، والمنصَّات الرقميَّة الَّتي ترفع كفاءة الإجراءات وتمنح الأسواق مرونةً أعلى.. عِندَ هذه النقطة تتحول العلاقة من تفاهمات سياسيَّة إلى تأثير فعلي في حركة التِّجارة الإقليميَّة، ويغدو التَّعاون الاقتصادي بَيْنَ عُمان والسُّعوديَّة نموذجًا لإدارة المصالح المشتركة بطريقة تُحقِّق الاستقرار والازدهار، وتفتح آفاقًا جديدة للتَّكامل الخليجي والعربي في آنٍ واحد.