أولَتْ دولتنا العظيمة منذ انطلاق نهضتنا الوثابة الرعاية الصحيَّة أهميَّة خاصة على اعتبار أنَّ العقل السليم في الجسم السليم، وبهما ترتقي جهود التنمية الوطنيَّة اقتصاديًّا واجتماعيًّا.. لذلك نرى أنَّ الخدمات الصحيَّة في سلطنة عُمان حققت قفزات ضخمة، وأصبحت تغطي كافة مناطق وولايات ومحافظات البلاد.. وهذا ليس على المستوى الكمي فقط، بل النوعي أيضًا. فالمستشفيات والعيادات المختلفة تحتوي على أحدث التجهيزات الَّتي تمكِّنها من إجراء الجراحات الدقيقة والارتقاء بصحة المواطنين.
ولم يألُ حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ جهدًا في تطوير الاستراتيجيَّة الصحيَّة بشكل مستمر وفقًا للاحتياجات الفعليَّة على الأرض حتَّى حققت السلطنة الإنجازات تلو الأخرى في هذا الجانب، وهو ما جعلها موضع إشادة العديد من الهيئات والمنظمات الدوليَّة المعنيَّة بهذا الأمر.. فقد شهد القطاع الصحي طفرة واضحة خلال الأربع سنوات الماضية بدليل ارتفاع عدد المؤسَّسات الصحيَّة بنسبة (50%) خلال هذه الفترة القصيرة ليصل إلى (2,384) مؤسَّسة مقارنة بـ(1,592) مؤسَّسة قبل هذه السّنوات الأربع نصفها عيادات صحيَّة خاصة، مما يؤكد على دور القطاع الخاص المتنامي في دعم المنظومة الصحيَّة بالبلاد إلى جانب ارتفاع عدد المستشفيات والصيدليات وغيرها.
أما الجهود الدوليَّة للسلطنة فحدِّث ولا حرج.. فقد تمكنت من ترسيخ مكانتها ووضع موطئ قدم عالمي في مجال الصحة وجهودها الحثيثة تتحدث عن رعايتها لهذا الملف المُهمِّ.. مثال ذلك استضافتها مؤخرًا ـ بالتعاون مع عدد من الشركاء الدوليين ـ حدثًا جانبيًّا رفيع المستوى بعنوان: «رؤية واحدة.. مستقبل واحد: حشد النشاط العالمي لمكافحة الأمراض غير السارية للأجيال القادمة» وذلك في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعيَّة العامة، والَّذي يأتي ضمن جهودها الرامية للتصدي للأمراض غير السارية، وتعزيز الحوار بَيْنَ القطاعات المختلفة، وتحقيق أكبر قدر من الإنصاف والإدماج في الاستجابة العالميَّة لهذه الأمراض واستعراض الممارسات المثلى في وضع السياسات وتقديم الخدمات.. ذلك كون هذه الأمراض تحصد الأرواح في صمت وتشكِّل ضغوطًا على المُجتمعات مما يجعلها تحديًا يَجِبُ التصدي له بعزيمة وإصرار.. من هنا تأتي أهميَّة المسح الوطني للأُسر حَوْلَ الأمراض غير السارية الَّذي شارك فيه أكثر من (10) آلاف فرد وبرامج الكشف المبكر لمعرفة الأمراض في مراحلها الأولى، وبالتالي ارتفاع نسبة الشفاء منها.
كما نظَّمت السَّلطنة منذ ساعات حوارًا دوليًّا رفيعَ المستوى بالشراكة مع فنلندا والصومال والسودان وسويسرا واليمن بعنوان: «الوحدة في العافية: تعزيز السلام من خلال الصحة العالميَّة» على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعيَّة العامة للأمم المتحدة المنعقدة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.. وقد يقول البعض ما علاقة الصحة بالسلام؟.. ولكن الإجابة بالطبع هما وجهان لعملة واحدة، فالأمن والاستقرار والسلام مبادئ تؤدي لصحة سليمة ومتكاملة والعكس بالعكس.. فلو نظرنا للدول الَّتي تعاني من الصراعات والحروب نجد انتشار الأمراض بها ونقص كبير في الخدمات الصحيَّة المقدمة للمواطنين، فمثلًا الفلسطينيون يتجرعون الحنظل بسبب عدم توافر الدواء والغذاء والمستلزمات الطبيَّة.. وكذلك في اليمن يتفشى مرض الكوليرا بسرعة كبيرة لدرجة أنَّه تم تسجيل أكثر من (72) ألف إصابة منذ بداية العام الحالي بسبب الصراع.. كما أعلنت شبكة أطباء السودان أنَّ خسائر القطاع الصحي تجاوزت (14) مليار دولار بسبب الحرب.. وهكذا في كافة المناطق المنكوبة.
لقد أسهمت سلطنة عُمان على مدار تاريخ نهضتها المباركة في الفعاليات والأنشطة الصحيَّة وتعاونت مع الهيئات والمنظمات الدوليَّة في رفع مستوى الصحة العامة للبشريَّة وتقليص الوفيات، والقضاء على الأمراض غير السارية، وبذلت الغالي والنفيس من أجل تحقيق هذه الأهداف؛ لأنَّها تضع سعادة ورفاهيَّة الإنسان فوق كل اعتبار.. والَّتي أعدَّتها التزامًا يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة ومستهدفات رؤية «عُمان 2040».
إنَّ حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُفدَّى ـ حفظه الله ورعاه ـ يُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنَّه لا يتوانى في المحافظة على صحة ورفاهيَّة وسعادة الإنسان.. أدام الله بقاءه وأنعم عليه بموفور الصحة والعافية، وجعله دائمًا ذخرًا وفخرًا للوطن الغالي.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني