الأربعاء 01 أكتوبر 2025 م - 8 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

ليس أنت.. بل طعامك هو الجاني!

ليس أنت.. بل طعامك هو الجاني!
الاثنين - 29 سبتمبر 2025 01:06 م

د. يوسف بن علي الملَّا

40

نعيش في هذه الأيَّام في زمن أصبح فيه من السهل أن يحمل كُلُّ فرد اللَّوم على نفسه متسائلًا على سبيل المثال: لماذا أتناول وجبة غير صحيَّة؟ ولماذا لا أتحكم في شهيَّتي؟ وهذا التساؤل يأخذنا ـ حقيقةً ـ إلى منعطف آخر ألا وهو أنَّ المُشْكلة ليست دائمًا فيك أنتَ؟ بل أحيانًا كثيرة في الطعام نفسه، وفي طريقة صناعته وتسويقه، وحتَّى وجوده في كُلِّ مكان من حَوْلك!

ألستَ معي؟ إنَّه قَبل سنوات طويلة لمَسْنا تغيُّرًا في شكل ما نضعه في أطباقنا. الخبز الساخن الَّذي كانت تعدُّه جدَّاتنا ـ رحم الله مَن فنى، وحفظ مَن بقى ـ والفواكه والخضراوات الطازجة الَّتي تأتي من مزارعنا، تراجع كُلُّ ذلك ليحلَّ محلَّه طوفان من المأكولات فائقة المعالجة. كالبسكويت المغلَّف لا يفسد لشهور، ورقائق مملَّحة مغموسة بالمنكّهات، ومشروبات غازيَّة وملوَّنة! أليسَ أغْلَبها ـ إن لم أكُنْ مخطئًا ـ منتجات صمِّمت لتُغريك، لا لتغذيك.... فكيف بصحَّتك؟

ولأوضِّح الفكرة هنا، أُجريت تجربة عمليَّة في أحد المعاهد الطبيَّة، حيثُ قدَّموا لمتطوِّعين وجبات معالَجة كالَّتي يتناولها الكثير منَّا في هذه الأيَّام، ووجبات غنيَّة بالخضار والحبوب الكاملة. بلا شك التجربة واضحة، حيثُ إنَّه الَّذين تناولوا النوع الأول من الوجبات استهلكوا في المتوسط نَحْوَ خمسمئة سعرة حراريَّة إضافيَّة يوميًّا خلال أسبوعين فقط، وزاد وزنهم في أيَّام معدودة. طبعًا لم يكُنِ الفَرق هنا في إرادتهم، بل في طبيعة الطعام الَّذي وُضِع أمامهم.

وهنا أناشد الجميع بأنَّ هذه الأغذية هي ـ حقيقةً ـ طريق لأمراض القلب والسكري. كيف لا؟ وبحث طبي حديث بَيَّنَ بأنَّ الرجال الَّذين يتناولون أعلى كميَّات من هذه الأطعمة ارتفعت لدَيْهم مخاطر الإصابة بسرطان القولون بنسبة تقارب تسعة وعشرين بالمئة. بل إنَّ دراسة حديثة بالسعوديَّة شملت أفرادًا ـ تتراوح أعمارهم بَيْنَ الثامنة عشرة والخامسة والعشرين عامًا ـ أظهرت أنَّ كُلَّ زيادة في استهلاك الأطعمة فائقة المعالَجة تُرافقها زيادة في محيط الخصر ومؤشِّر كتلة الجسم. بمعنى آخر، ارتفاع خطر السُّمنة. والحقُّ يقال، فمُجتمعاتنا العربيَّة أضحتْ حاليًّا يتكرر فيها هذا المشهد مع انتشار وجبات التوصيل السريعة وتراجع الوجبات الصحيَّة المنزليَّة! ناهيك عن تأثير بعض المُكوِّنات الصناعيَّة على بكتيريا الأمعاء الدقيقة (الميكروبيوم) وعلى التوازن الهرموني، وكُلُّها تغيُّرات ندركها جميعًا، تسهم في زيادة الشهيَّة والتخزين الدهني والالتهابات في الجسم.

بطبيعة الحال، ليس قصدي هنا أن ألومَ أفرادًا بِعَيْنِهم أو المُجتمع، فأيضًا البيئة الغذائيَّة المحيطة بنا تدفع الكثير من إلى خيارات غير صحيَّة كالإعلانات البرَّاقة بالطُّرقات، وتلك الرفوف الممتلئة بالتنزيلات ـ إن صحَّ لي التعبير ـ والنَّكهات المدروسة لشدِّ الانتباه. لذلك طبعًا ليس الحل فقط بالكلام أو إلقاء المحاضرات على الناس بقدر ما يكُونُ في إصلاح النظام الغذائي نفسه! والسؤال هنا الَّذي أطرحه: هل نحتاج إلى تنظيم تسويق الأغذية الضارَّة في مُجتمعنا؟ وكيف؟ هل نحتاج من الجهات المعنيَّة فرض ضرائب على المنتجات المعالَجة تلك؟ ماذا عن استمرار دعم الزراعة المحليَّة والفواكه والخضار الطازجة، وتسهيل وصولها للمستهلك؟ بلا شك، هنالك حلول، ولكن يَجِبُ أن تسرع، وأن تطبَّق عمليًّا في مُجتمعنا وحفظًا لصحَّته!

ختامًا، كم مرة في الأسبوع نستطيع أن نختار وجبة حقيقيَّة بسيطة في بيوتنا تُطهى في مطابخنا؟ نحمد الله أنَّ مُجتمعنا ما زال جزء منه للآن حاضرًا بعاداته وثقافة وجبة المنزل والأُسرة، ولكن أضحت هنالك أُسر تطلب وجبات سريعة غير صحيَّة أيضًا وهم في بيوتهم، بل وأغلب الطعام يأتي في علبة بلاستيكيَّة؟ لذلك يبقى اختيار الفرد لطعامه الصحِّي دائمًا هي بداية لرحلة حقيقيَّة لاستعادة صحَّته وسيطرته على ما يأكل!

د. يوسف بن علي الملَّا

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي

[email protected]