الخميس 02 أكتوبر 2025 م - 9 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

قصة نجم آثاري

قصة نجم آثاري
الاثنين - 29 سبتمبر 2025 01:00 م

أحمد صبري

10


فقَدتِ الأوساط الآثاريَّة قَبل أيَّام شخصيَّة عراقيَّة مرموقة كرَّس مشوار حياته للبحث عن حضارة وتاريخ وادي الرافدين، وتحوَّل ـ بفعل هذا الدَّوْر ـ إلى مرجع آثاري. إنَّه الدكتور مؤيد سعيد الدامرجي كان أحد أعلام التراث العراقي، وحفل مشوار حياته بنشاط متميز في التنقيب والكشف عن آثار العراق، فضلًا عن توثيق إنجازاته بعشرات الكتب الَّتي تحكي قصَّة إنسان كان همّه ودَوْره يكمن في إبراز حضارة العراق على مدى الحقب الماضية.

وتمتد علاقتي بالفقيد منذ كان مديرًا عامًّا لدائرة الآثار العراقيَّة وحتَّى تقاعده من الوظيفة بعد احتلال العراق، واتِّخاذه عمَّان مقرًّا لإقامته، ووجدته متابعًا وحريصًا على إبراز آثار العراق والحفاظ عليها، واستعرضت أهم المنجزات في مسيرته من خلال عدَّة كتُب كانت على قدر من الأهميَّة للباحثين عن أسرار وخفايا آثار الحضارات العالميَّة.

وقَبل رحيله بيومين هاتَفَني وأبلغَني أنَّه فرغ من المراجعة اللُّغويَّة والصياغة الفنيَّة لكِتابه الجديد سيكُونُ جاهزًا نهاية العام الحالي. ويتميَّز الراحل بمتابعته وحرصه على أن يكُونَ في صدارة المهتمين بعِلم الآثار ومستجداته. وكان واحدًا من بَيْنِ أشهر علماء الآثار في العالم، وكرَّس مشواره في إبراز دَوْر الحضارات في العراق، وكان سبَّاقًا في هذا المجال ليتحولَ إلى مرجعٍ ألْهَم أقرانه في مواصلة العمل الدؤوب لخدمة العراق ودَوْره في حضارات العالم.

والدكتور مؤيد سعيد الدامرجي وُلِدَ في محافظة كركوك سنة ١٩٤٢، وأكمل دراسته الابتدائيَّة والمتوسطة والثانويَّة فيها سنة ۱٩٥۸، ثم تابع مسيرته العلميَّة فالتحق بجامعة بغداد (كُليَّة الآداب ـ قسم الآثار) ليحصل على البكالوريوس في الآثار سنة ۱۹٦۲. مارَسَ العمل الَّذي لم يمنعه من مواصلة التحصيل العلمي، فقَدْ سافر إلى ألمانيا والتحق بجامعة هايدلبرج لِيكملَ دراساته العليا فيها عام ١٩٦٥، وقد تخرج منها عام ١٩٦٧، ثم التحق بجامعة برلين الغربيَّة الحُرَّة ١٩٦٨ـ ١٩٧٠. وكان عنوان رسالة الماجستير «موضوع الباب في الفنون التصويريَّة في العراق القدم حتَّى نهاية العصر الأكدي». إلَّا أنَّ طموحه لم يتوقف عند هذا الحدِّ، فقَدْ واصَلَ دراسته لنيلِ الدكتوراه فحصل عليها من جامعة ميونيخ عام ۱۹۷۲ بدرجة امتياز، وكان موضوع دراسته «تطوُّر فنِّ عمارة الأبواب والبوَّابات في العراق القديم». تولَّى في العام ذاته منصب مدير قِسم البعثات في وزارة التربية، ثم مديرًا عامًّا للبعثات من ١٩٧٦ لغاية ١٩٧٧.

وفي أبريل ـ ۱۹۷۷ عيِّن مديرًا عامًّا للآثار فرئيسًا للمؤسَّسة العامَّة للآثار والتراث سنة ۱۹۸۳، ثم رئيسًا للهيئة العامَّة للآثار والتراث بعد أن أصبحت هيئة. أسْهَم بكُلِّ فعاليَّة في كِتابة البحوث العلميَّة المتخصصة، فكانت أبرز مساهماته في كِتاب «العراق في التاريخ» وموسوعة «حضارة العراق»، كما كتَب في مجلَّات كثيرة، منها مجلَّة النفط والتنمية، ومجلة سومر الَّتي تصدرها دائرة الآثار والتراث ومجلَّات أجنبيَّة أخرى. وأصبح رئيس مشروع الأحياء الأثري لمدينة بابل الَّتي أسْهَم فيها بإعادة الحياة لهذه المدينة الأثريَّة الخالدة. وقد حقَّق نجاحات أخرى في هذا المجال.

وشخصيَّة بهذه المواصفات جديرة بتسليط الضوء على دَوْرها ومنجزها واستذكار مسيرتها في إعلاء دَوْر العراق وحضاراته الإنسانيَّة. ورغم رحيله، ستظل منجزاته تحكي قصَّة نجم آثاري، أحبَّ ختم مشوار حياته بخدمة العراق، يستحق التوقف عند منجزاته لِتكُونَ في خدمة علماء الآثار عراقيًّا وعالميًّا.

أحمد صبري

كاتب عراقي

[email protected]