تغيّرت المقولة خلال الأشهر والأيام الماضية، لم تعُد كما عرفتها البشرية ومثلما تُكتب في المدارس على لوحة خشبية (حكمة اليوم «في العجلة الندامة وفي التأني السلامة»)، العلمُ عند الله على ما ستكون عليه لاحقاً، تتسارع الأحداث بغرائبية تامة، وبشكلٍ غير مُتوقّع أو مُتخيّل، في هذه الأيام ليست الأيام حبلى بالمفاجآت بل الساعات تحبلُ بها، وبالذات في المنطقة العربية، حُبلى بحملٍ غير شرعي. كلُ ما يحدثُ يطرحُ سؤلاً واحداً يتسوّل إجابةً واحدةً ولا يجدها : ماذا عن المستقبل وكيف سيكون ؟!! فالطبخةُ التي أعدها الطباخ لا يُعرف عنها الكثير ولا مقادير مكوناتها الثقافية والسياسية والفنية واجتماعية وكم تستغرق من وقتٍ كي تكون جاهزةً أم إنها ستكون على النار للأبد، وإن بدء إعدادها في غزة فهذا لا يُعني أنها تشملُ غزةً فقط مثلما تتفوّه الوقائع حالياً، ثمة شخص يقولُ في قلبه ما قاله فرعون سابقاً (أنا ربكم الأعلى)، يسمعه الكثيرون لكنهم يتغافلون عن سماعه دون فائدة . ثمة من يصرخُ لأتباعه وجنوده ليل ونهار (في العجلة السلامة وفي التأني الندامة)، العجلة في تحويل الليل إلى نهار مليء بالحرائق والأدخنة، تحويل النهار إلى ليلٍ مليء بالبكاء والصراخ والنحيب، العجلة في ضرب القوانين والمواثيق الدولية عرض الحائط ، إن كان ثمة حائطٍ قد تبقى، العجلةُ في نحر الرقاب وقتل الأطفال ، العجلة في قتل الكلمة وشنق الحقيقة كي لا تكون هناك مسائلةٍ وإدانة ومحاكمة، يخطُبُ فيهم قائلاً : في التأني الندامة ، وأنا لا أرضى لكم الندامة . في وجهة نظري كان لا بُدّ لنا نحنُ أن نقول منذ ما يقارب الثمانية عقود (في العجلة السلامة وفي التأني الندامة) ، فهذه الحروب ومن ضمنها حرب غزة وُجدت لتبقى وتستمر لا لتنتهي، فمنذ عام ثمانية وأربعين لم تنطفيء نار الحرب بين إسرائيل ودولةٍ عربية إلا وتشتعل حربٌ جديدة، كل حربٍ هي فتيلة لحرب ٍأخرى ، حتى السلام لم يأتي إلا بالحرب ، بقاء هذا الكيان مرهونٌ ومشروط بالحروب، الحديثُ عن السلام هو (كلام معصّرات ) بالنسبة لإسرائيل وقادتها ، علينا أن نُمعن جيداً فيما حصل في الكثير من البلدان العربية بدءً منذ عام ألفين وأحد عشر، حروبٍ أهلية عدة ، شعوب ترح نحن وطأة الفقر وهي تغرق في الثروات، وغيرها من الوارث التي ما تزال تتناسلُ تباعاً، كان الأحرى بنا أن نقول (في العجلة السلامة وفي التأني التأني الندامة)، العجلة في صنع الإنسان .. العجلةُ في التنمية .. العجلة في معرفة العدو وفي معرفة الصديق الحقيقي، تتبدل معاني الكلمات والمفاهيم هذه الأيام إلى نقيضها، ستون ألف شهيد وربما أكثر هم القتَلَة، التهجيرُ القسري لأكثر من مليونين ونصف شخص هو حفاظٌ على حياتهم، تدمير غزة كاملةً بمبانيها ومساجدها ومستشفياتها ومدارسها وجامعاتها وجعلها غير صالحة للحياة هي فرصة لجعلها ريفيرا الشرق الأوسط، الفدائي والمقاوم هو إرهابيٌ مُجرم بينما مُغتصب الأرض قاتل الأطفال جنديٌ شجاع مُدافعٌ عن وطنه، يجب على العقل حتماً أن يتقبل أن تُدمرُ حياةً كاملةً وأن يُقتل ويعذب ويُشرّد أكثر من المليونين ونصف مليون إنسان من أجلَ عشرات المُختطفين الذين هم في الأساس مُغتصبو الأرض وسارقون للأحلام وقَتلة أو مشاريعُ قَتَلة ؟!! .
ناصر المنجي