الأربعاء 17 سبتمبر 2025 م - 24 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

أوراق الخريف : قمة التنديد والشجب

أوراق الخريف : قمة التنديد والشجب
الأربعاء - 17 سبتمبر 2025 01:06 م

د. أحمد بن سالم باتميرا


بأشد العبارات أدانوا، واستنكروا، وشجبوا، وحملوا الكيان الصهيوني المعتدي ما اقترفه من هجوم غادر وسافر وجبان تعرضت له دولة قطر الشقيقة، في انتهاك صارخ لجميع القوانين والأعراف الدوليَّة والقِيَم الإنسانيَّة، كلمات وكلمات وكلمات توالت، والشعوب العربيَّة، انتظرت بيان القمَّة العربيَّة الإسلاميَّة الطارئة الَّتي استضافتها الدوحة على أمل اتخاذ قرارات ترد الحقوق إلى أهلها.

فهذا العدوان لم يستهدف قطر وحدها، بل استهدف كُلَّ العرب والمسلمين، وكُلَّ دولة تؤمن بالحوار وسيادة القانون، ومع ذلك خرج البيان كعادة كُلِّ قمَّة، في الوقت الَّتي أكدت فيه سلطنة عُمان في كلمتها: «أنَّ الهجوم الغادر الَّذي تعرّضت له دولة قطر الشقيقة يكشف بوضوحٍ خطورة المرحلة الَّتي تمرُّ بها المنطقة، واتساع دائرة الحرب الَّتي تشنُّها «إسرائيل»، غير عابئة بالقانون الدّولي أو بالشّرعيَّة الدّوليَّة أو بحرمة دماء الأبرياء».

هنا إشارة واضحة بأنَّ المنطقة تمرُّ بمنعطف خطير، وكانت أمام قادتنا فرصة تاريخيَّة لتلقين «إسرائيل» ومَن يدعمها درسًا لا يُنسى، بإعادة المسار لطريقه ووضع حدٍّ للغطرسة «الإسرائيليَّة» بقطع العلاقات معها وإلغاء المعاهدات والاتفاقيَّات، ووقف التعاون الاقتصادي وقطع الأجواء على طيرانها، وليس التنديد والوعيد.

نعم، أدينوا بأشدّ العبارات الاعتداء الآثم، وأكدوا تضامنكم مع دولة قطر، ولكن أيضًا كما جاء في كلمة صاحب السُّمو السَّيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع: «واجبُنا اليوم لا يقف عند حدود الإدانة، بل يتطلب اتخاذ خطوات عمليَّة وملموسة خصوصًا على الصعيديْن القانوني والدبلوماسي». واللبيب بالإشارة يفهم.

فهذه الإدانة دون خطوات مهمَّة لوقف هذا الانفلات والهجمات والتصريحات «الإسرائيليَّة» سيشجّع على المزيد من العدوان والسيطرة والتمدد. ورسالة القمَّة وبيانها لا يكفي؛ لأنَّ أمن بُلداننا ليس مسألة للتفاوض أو المساس به، وكانت أمامنا فرصة للتحرك الجاد ولإظهار مواقف واضحة وضغط فعليّ من أجل كبح «إسرائيل» وإنهاء الاحتلال، ووقف الاعتداءات وحرب غزَّة.

دولة حليفة للولايات المتحدة الأميركيَّة، تبذل جهدًا في مساعي السلام، ولها مواقف في هذا الإطار، تتعرض للعدوان الصهيوني، واستهداف قادة «حماس» الَّذين كانوا يبحثون في المقترحات والشروط الأميركيَّة لوقف الحرب، فكيف تتجرأ «إسرائيل» على ذلك دون موافقة أميركا؟

إنَّ النيات معروفة، والعبث «الإسرائيلي» يَجِبُ أن يتوقف، والمصالح أهم من المبادئ ولأنَّنا لا نصنع أسلحتنا، ولا ننتج غذاءنا، ونستورد دواءنا، ونعتمد على الآخرين في كُلِّ شيء، حتَّى أموالنا في بنوكهم، وأسلحتنا تعمل بأمرهم، وهواتفنا يتحكمون بها، فما الَّذي يمنع «إسرائيل» بعد قصف الدوحة من مهاجمة أيِّ عاصمة أخرى، مستفيدة من الغطاء الأميركي وغيره؟

اعتداء صارخ بكُلِّ معنى الكلمة، استهدف بشكلٍ مباشر جهود الوسطاء، من دولة مارقة وتجاوزت كافَّة القوانين والشرعيَّة والقرارات الدوليَّة، وأصبحت تضرب هنا وهناك دون رادع أو مواجهة من أيّ كائن، وتقوم بكُلِّ ما تقوم به ليس بضوء أخضر أميركي، بل وبمشاركة أميركيَّة مباشرة.

كنَّا أمام فرصة تاريخيَّة في الدوحة لنسجلَ رسالة واضحة للغطرسة «الإسرائيليَّة»، ونعلن وقف التطبيع وطرد السفراء، ونعتبر من كُلِّ الدروس الماضية، فالمندوب «الإسرائيلي» قال في مجلس الأمن بصوت عالٍ سنضرب أيَّ دولة تؤوي أو تستقبل قادة حماس، ونحن نصدر ونكتفي ببيان إدانة!

كنَّا أمام لحظة فارقة، وبداية لصحوة عربيَّة وإسلاميَّة، لنشكّل جبهة موحَّدة لنضع حدًّا لهذه الغطرسة، ونطرد سفراء الاحتلال من عواصمنا؛ لأنَّ هذا الكيان لا يفهم إلَّا لُغة الردع، ولا يقرأ إلَّا معادلات القوَّة، وجاءت الفرصة لنجعل من وحدتنا قوَّة للردع وليس للتنديد والاستنكار فقط، فالعدوان على الدوحة رسالة لكُلِّ الأنظمة العربيَّة والإسلاميَّة بأنَّ السلام والاستقرار والتعايش والوسطيَّة والديانة الإبراهيميَّة ليست إلَّا مسكنات من دولة مارقة تعربد دون رادع، فالصمت والاكتفاء بالبيانات لم يعُدْ كافيًا، ومحاسبة «إسرائيل» على جرائمها كان أمرًا حتميًّا من هذه القمَّة.

فالهجوم ليس عابرًا، إنَّه مرحلة جديدة في تغيير وجه الشرق الأوسط، وتهديد للنظام العالمي القائم على السلام والأمن، المظاهرات في كُلِّ مكان تستنكر، و»إسرائيل» تتصرف كالثور الهائج تقتل وتضرب وتخترق الأجواء برًّا وجوًّا، وتتجرأ في تصريحاتها وتعلن أنَّها ستتمدد لتحقيق أهدافها الكبرى، في تصعيد خطير يستهدف استقرار المنطقة، وتعلن وتنشر خريطتها المستقبليَّة، فأيُّ إجراء يُمكِن اتخاذه يا عرب ويا مسلمون، دون ذلك، حقًّا طفح الكيل بعد أن ضربت «تل أبيب» بقرارات مجلس الأمن والجمعيَّة العامَّة عرض الحائط وأصبحت هي شرطي العالم الجديد .. والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا

[email protected]