الأربعاء 17 سبتمبر 2025 م - 24 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

«الساقي» وأمين والإطاحة بالكتاب الورقي

«الساقي» وأمين والإطاحة بالكتاب الورقي
الأربعاء - 17 سبتمبر 2025 01:00 م

عادل سعد


تظل الإطاحة بالمطبوع الورقي واحدة من المعضلات الَّتي تتصدر الآن المشهد الثقافي العالمي العام، وإذا كانت قد أدَّت إلى اختفاء صحف ودوريَّات ومؤلفات ورقيَّة أخرى، فإنَّها إطاحة كارثيَّة إذا أخذنا بنظر الخيبة، أنَّ ملايين المتابعين للشؤون الثقافة والقرَّاء المواظبين على التصفح الورقي يجدون فيها متعة للوعي وإطلالة تشغلك بودٍّ حين يكُونُ الكتاب الورقي بَيْنَ يديك جليسًا وأنيسًا لا يشق له غبار في أصول المرافقة والمداولة والتبشير.

•لقد أحزنني كثيرًا اختفاء هذا المشهد العريق من ساحة المعرفة تحت ضغط انحسار رواج المطبوع الورقي لصالح التصفح الإلكتروني ولا من يتطوع لجبر الخواطر وكأنَّ ما حصل ويحصل في هذا الشأن قدر لا بُدَّ من الانصياع له.

• أعترف لكم، أنَّني ما زلتُ أكابد هذا المشهد في عناد منقطع النظير بمتابعة مؤلفات ورقيَّة وازنة لأدباء وباحثين وأكاديميين أحتفظ لبعضهم بصداقات قويَّة، بل وأحرص على جولتي الأسبوعيَّة يوم الجمعة، أتصفح كتبًا تنتظر بيأس الشراء على رصيفي شارع المتنبي في بغداد، الشارع الَّذي بدأت تتزاحم فيه الآن منصَّات الأكلات الشَّعبيَّة والعصائر وكراريس الكلمات المتقاطعة، ولا أستبعد دخول البصل قريبًا منافسًا قويًّا على مرأى تماثيل الشعراء، المتنبي، والرصافي ونازك الملائكة.

• بخصوصيَّة أكبر، أحزنني ما علمته من شقيقي أمين سعد كيف أغلقت دار الساقي للطباعة والنشر مركزها الرئيس في العاصمة البريطانيَّة لندن مكتفية بالإبقاء على فرعها في بيروت.

•لقد تسلل هذا الاختفاء بدون أيِّ مجلس عزاء على غرار ما حلَّ باليسار العربي عمومًا لصالح منصَّات التجارة الدينيَّة السياسيَّة ومدوّنات التطرف الطائفي.

•لقد عمل شقيقي أمين في دار الساقي بلندن مدَّة (32) سنة بالتمام والكمال موظفًا ومسؤولًا مفوضًا إلى أن أحال نفسه على التقاعد، وشهدت سنوات خدمته فيها طبع العديد من المؤلفات الوازنة، بَيْنَها أغلب مؤلفات الشاعر أدونيس، والعديد من مؤلفات جورج طرابيش، وعالم الاجتماع إبراهيم الحيدري، والدكتور فالح عبد الجبار، وكذلك بعض مؤلفات الدكتور حسين الهنداوي. وكان يتردد على الدار سياسيون وأكاديميون عراقيون وعرب من مختلف الانتماءات، بعضهم كانوا على صداقة قويَّة مع أمين، الَّذي ظل يواصل الكتابة في عدد من الصحف العربيَّة الَّتي تصدر في لندن بَيْنَها صحيفة الحياة.

•لقد كتب عدد من الصحف البريطانيَّة عن إغلاق الدار والدور الوظيفي لأمين، فضلًا عن عدَّة مقابلات تلفازيَّة بَيْنَها مقابلة أجراها الإعلامي ديار العمري.

• الواقع، كانت هناك ضرورة تاريخيَّة دفعت إلى تأسيس (الساقي) في لندن بعد أن أحكمت الحرب الأهليَّة سطوتها على المشهد اللبناني في سبعينيَّات القرن الماضي، وجاء تأسيسها بجهد مشترك من الرائدين في عالم النشر والطباعة اندريه كسبار والراحلة مي غصوب، واختير اسم الساقي لها تيمنًا بلوحةٍ ذات منهج انطباعي (بائع عرق السوس) للفنان العراقي جواد سليم.

• ظلت (الساقي) في لندن إحدى المحطَّات الأساسيَّة للأدباء والمثقفين العرب، وزخرت رفوفها بالعديد من مسوّدات الكتب الَّتي تنتظر الطبع حتَّى آخر يوم من إغلاقها.

• وللتاريخ أيضًا، تحولت دار ومكتبة الساقي إلى مؤسَّسة موسوعيَّة نوعيَّة في التنوير العربي الحديث الَّذي اتخذ من المهجر ساحةً له، معيارها الوحيد النَّص، وليس أيِّ شيء آخر، حريصةً عليه ولم تحد عنه تحت أيِّ ضغط، الأمر الَّذي عزز منزلتها بَيْنَ دُور النشر، وهي إذ تكتفي الآن بفرعها في بيروت فقد تركت فراغًا مؤلمًا في لندن.

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]