تزامَن إنشاء جامعة الدول العربيَّة في العام 1945 مع تنامي المدِّ الصهيوني في فلسطين، وعقب انتهاء الانتداب البريطاني قررت الدول العربيَّة المؤسّسة لجامعة الدول العربيَّة، مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعوديَّة، تشكيل جيش عربي موحَّد يتوجَّه إلى فلسطين رفضًا لقرار التقسيم، وحماية أهلها من هجمات العصابات الصهيونيَّة، ولكن تآمرت بريطانيا والدول العظمى علينا وتحالفوا مع اليهود، وحدثت النكبة في العام .1948.
ظلَّت فكرة الوحدة العربيَّة والجيش العربي الموحَّد، مطروحة على جدول أعمال القمم العربيَّة، حتَّى جاء العام 1950 واجتمع قادة (7) دول عربيَّة في القاهرة، وأبرموا اتفاقيَّة الدفاع المشترك، وانضم إليها بقيَّة الدول العربيَّة على مدار السنوات التالية، الاتفاقيَّة تتضمن (13) بندًا، أولها: إنَّ أيَّ عدوان على أيِّ دولة موقِّعة على الاتفاقيَّة يُعدُّ عدوانًا على سائر الدول، وإنَّ أيَّ مساس بدولة من الدول الموقِّعة على البروتوكول يُعدُّ مساسًا صريحًا بباقي الدول، والبند الثاني يعدُّ أيّ اعتداء مسلح يقع على أيِّ دولة عضو، اعتداء عليها جميعًا، وتلتزم بقيَّة الدول بمعاونة الدولة المعتدى عليها، وتتخذ جميع التدابير والوسائل بما في ذلك القوَّة المسلحة لردِّ الاعتداء، حتَّى إعادة الأمن والسلام إلى نصابهما، والبند الثالث يتيح تشاور الدول المتعاقدة فيما بَيْنَها، بناء على طلب إحداها، كُلَّما هددت سلامة أراضي أيّ واحدة منها، أو استقلالها وأمنها، وفي حالة الحروب أو الخطر الداهم، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد مواقفها وخططها، لاتخاذ التدابير الوقائيَّة والدفاعيَّة الَّتي يقتضيها الموقف.
للأسف لم يقدر لهذه الاتفاقيَّة أن تنفذ ولو لمرة واحدة، رغم توالي الاعتداءات والانتهاكات على كثير من الدول العربيَّة الموقعة، خصوصًا من قِبل الكيان الصهيوني.
في مارس 2015م طرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على اجتماع القمة العربيَّة المنعقدة في القاهرة، إعادة إحياء فكرة إنشاء قوَّة عربيَّة مشتركة، هدفها حفظ وصيانة الأمن القومي العربي، وصدر قرار الجامعة رقم (628) بالموافقة، وتقرر إعداد بروتوكول تضمن (12) مادة، حددت التعريف والمسمى، ووضعت تصورًا وافيًا لمهام هذه القوَّة، وجاء في المادة الثانية منه، التدخل العسكري السريع لمواجهة الاعتداءات والتحدِّيات والتهديدات الخارجيَّة الَّتي تشكِّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي، المشاركة في عمليَّات حفظ السِّلم والأمن في الدول الأطراف، لمنعِ نشوب النزاعات المسلحة، أو لتثبيت سريان وقف النار واتفاقيَّات السلام، ومساعدة الدول على استعادة وبناء وتجهيز قدراتها العسكريَّة والأمنيَّة، تأمين عمليَّات الإغاثة والمساعدات الإنسانيَّة، وحماية المدنيين في حالات الطوارئ الناجمة عن اندلاع نزاعات مسلحة، أو وقوع كوارث طبيعيَّة، وحماية وتأمين خطوط المواصلات البريَّة والبحريَّة والجويَّة، بغرض صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة القرصنة والإرهاب، وعمليَّات البحث والإنقاذ، وأيّ مهام أخرى يقررها مجلس الدفاع.
للأسف لم تجد الفكرة طريقها للنور، لغياب الإرادة السياسيَّة، وانعدام الثقة بَيْنَ الدول العربيَّة، والوقوع تحت تأثير التدخلات الأجنبيَّة، وعدم استقلال القرار العربي، رغم شدة احتياجنا لهذه الاتفاقيَّة نظرًا لما أحاط بالدول العربيَّة في السنوات الأخيرة من تهديدات، رُبَّما كانت رسالة تردع عدونا الأول «إسرائيل»، وتضع حدًّا للحرب الأهليَّة في السودان، وتبسط الأمن في ممراتنا البحريَّة، وتقدم الإغاثة للشعوب العربيَّة المنكوبة، وتؤكد للعالم بأنَّنا لم ننقرض، وأنَّنا ما زلنا أحياء.
للأسف جميع الدول العربيَّة اليوم أضحت في قلب دائرة الخطر، لا توجد دولة واحدة بمنأى عن التهديد أو الاعتداء، ولن تجدي المليارات نفعًا في استجلاب الحماية والأمن، فلن يحمي الأرض إلَّا أبناؤها.
محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري