الخميس 04 سبتمبر 2025 م - 11 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

القيادة فـي عصر الاضطراب والقلق

القيادة فـي عصر الاضطراب والقلق
الأحد - 31 أغسطس 2025 01:33 م

محمد بن سعيد الفطيسي

20


من البديهيَّات الإداريَّة فكرة أنَّ قيادة مركب في أيَّام مشمسة صافية يختلف بشكلٍ كُلِّي عن القيادة في أوقات ممطرة شديدة العواصف، فلكُلِّ حالة متطلباتها وأُسلوب القيادة المطلوب اتِّباعه.

كذلك قيادة المُجتمعات والشعوب المعاصرة، تقدُم ركْبَ الجيل الشَّبابي الرَّاهن، بالوعي باحتياجات الجمهور والرَّأي العام في مختلف الجوانب، وبغير وعي بمتطلبات المرحلة والأفراد لا يُمكِن أبدًا الاستمرار بالقيادة بشكلٍ هادئ، بل ستتعرض تلك القيادة السياسيَّة أو الإداريَّة أو غير ذلك (بحسب نوع القيادة) إلى العديد من الاضطرابات، وستدخل مع مَن تَقُودهم إلى حالة من الصدام والفوضى، يسبقها حالة من اللايقين وانعدام الثِّقة بالقيادة، وبأنَّ هذه الأخيرة لا تصلح لقيادة المرحلة أو الوضع والحالة الشَّعبيَّة أو المكان أو المُجتمع.

وإن كان ذلك ينطبق على الأوضاع السياسيَّة في مختلف المراحل التاريخيَّة فهو ينطبق بشكلٍ أكبر وأكثر وضوحًا على المرحلة التاريخيَّة الرَّاهنة، المرحلة الَّتي تعاني فيها الشعوب من آثار الأوضاع السياسيَّة على الاقتصاد وموارد الدول وثرواتها وانعكاس كُلِّ ذلك على الحالة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للأفراد (دخل الفرد ومصادر الدخل والقدرة على تغطية متطلبات الحياة اليوميَّة)؛ انعكاس كُلِّ ذلك على نظرة الشعوب إلى قياداتها السياسيَّة والاقتصاديَّة تحديدًا (حكامًا ووزراء)، والكيفيَّة الَّتي يَرون فيها صلاحيَّة تلك القيادات لممارسة الحكم والإدارة.

وللأسف الشديد، الحالة السياسيَّة الراهنة مشوبة بالعديد من الأفكار المشوّهة عن القيادة، عن إدارة الدول والمؤسَّسات الرسميَّة (الحكومات)، مرئيَّات غير صالحة للاستمرار، معرَّضة للفشل الواضح كنتيجة طبيعيَّة للحالة المُجتمعيَّة الرَّاهنة، وباختصار ما أودُّ الإشارة إِلَيْه أنَّ الحالة السياسيَّة العالميَّة هشَّة ومهيأة للدخول في حالة من الصدام والتغيير الكُلِّي، خصوصًا أنَّ هناك قوى ودولًا كبرى تؤجج الأوضاع المُجتمعيَّة في العالم العربي والدول النَّامية على أساس التغيير ولو بالقوَّة لأهداف ومصالح تلك الدول والقوى العالميَّة.

والأخطر من ذلك هو الوعي السياسي السَّائد في العالم العربي، تحديدًا الوعي الشَّعبي المتعلق بالفكر السياسي الَّذي يحرك الخريطة السياسيَّة والحالة الشَّعبيَّة الرَّاهنة، والَّذي يؤكِّد على وجود هوّة تزداد اتساعًا من الاضطراب والقلق وتراجع منسوب الثِّقة وارتفاع منسوب السّخط والامتعاض على الوضع المعيشي بالرغم من مستويات البذخ والرغد المشاهدة على الطَّرف الآخر.

في مقابل نظرة يشوبها القلق والخوف المقابل والَّذي يشعر فيه أغلب الحكومات بأنَّها تواجه ضغوطًا شديدة من الشعوب رغم محاولات الإصلاح والتَّغيير. والأخطر في سياق تلك الأوضاع تلك الحالة من عدم المبالاة أو الضّعف الَّتي يعيشها أغلب الحكومات الَّتي لم تتمكنْ من صناعة تلك المقاربة بَيْنَ متطلبات التَّنمية وما يستتبعها من احتياجات وموارد والالتزامات الشَّعبيَّة.

على العموم ما أودُّ الوصول إِلَيْه في هذا الطَّرح هو أنَّ الشعوب والمُجتمعات المعاصرة اليوم بحاجة إلى قيادة قريبة مِنْها، قيادة تزرع الأمل والرَّغبة في الاستمرار في النفوس المتعبة من ضربات الحياة وقسوتها ومتطلباتها، بحاجة إلى قيادة تخفِّف عَنْها المعاناة والآثار الَّتي خلَّفتها الظروف والأوضاع الاقتصاديَّة على الاستقرار الاجتماعي ومتطلبات الحياة في أدنى مستوياتها، بحاجة إلى قيادات إنسانيَّة أكثر مِنْها إداريَّة أو سياسيَّة تنزل الميدان لتشاهدَ بِعَيْنِها كيف يعيش النَّاس وتمضي بهم الأيَّام، وتسعى لمعالجة التحدِّيات الَّتي تعيشها الفئات الضَّعيفة والفقيرة من أرض الواقع وليس من خلال ما يرفع إِلَيْهم من تقارير مشوَّهة منقوصة.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @