مسقط ـ العُمانية : ـ تشكل البيئة العُمانية بثقلها الروحي والتاريخي، وثرائها الجغرافي الممتد عبر مختلف التضاريس المتنوعة الحاضن الأول لوعي الفن التشكيلي والتعبير البصري عن الأفكار والمشاعر التي يعتمد عليها الفنان في إيصال رسالته أو نقل قصة معينة للجمهور. ويقول الفنان التشكيلي فهد بن سالم المعمري إن تجربته الفنية لم تكن يوما بمنأى عن المجتمع الذي ترعرع فيه والمتمثل في الذاكرة الثقافية والتضاريس المتنوعة وملامح الأهالي وأصوات الحياة اليومية التي أسهمت بشكل كبير في تشكيل ذائقته البصرية. ويعتقد الفنان في حديثه لوكالة الأنباء العُمانية بأن علاقته الوجدانية بالفن هي التي منحت أعماله صدقا وتواصلا حقيقيا مع المتلقي من خلال تجسيد العادات والتقاليد واللباس والتفاصيل اليومية والمناسبات الاجتماعية وحتى الألوان التي تميز بها المحيط العُماني كمفردات بصرية عُمانية. وفيما يتعلق باختياره الرسم المائي والزيتي يقول الرسام: وجدت في الألوان المائية ما يشبه العلاقة الصوفية بين الفنان والأثر، فهي خامة لا تحتمل التراجع، شفافة وصادقة، لا تقبل التزييف أو الإخفاء، كما أنها ترتبط بالماء، والماء هو أصل الحياة وركن أساسي في البيئة العُمانية. ويضيف: أنا أومن أن الفن الحقيقي ليس في الأداة بل في الرؤية والتكنولوجيا تمنحنا اليوم أدوات تعبيرية جديدة، وإذا أحسن الفنان توظيفها يمكنه أن يعيد إنتاج هويته البصرية بروح عصرية دون أن يفقد أصالته، وما أحرص عليه دائما هو أن تحمل أعمالي، سواء كانت يدوية أو رقمية تلك اللمسة العُمانية. وأكد المعمري على أن المادة الفنية ليست مجرد وسيلة تقنية بل هي شريك في التعبير و حين أستخدم الخشب أو الزيت أو حتى خامات مختلطة فإنني أستدعي طبقات أعمق من الزمن والمادة فالخامة لا تنفصل عن الموضوع وأحيانا أختار خامة قاسية كي أصنع توترا بصريا، وأحيانا أستخدم ملمسا ناعما كي أدعو المتلقي إلى الدخول في حالة وجدانية معينة. ويقول إن الفن التشكيلي في جوهره ليس فقط وسيلة للتعبير الجمالي بل هو حامل للذاكرة وسجل بصري للتاريخ والثقافة والتجربة الإنسانية ليصبح وثيقة ثقافية تمثل جزءا من الهوية الجماعية للمجتمع في السياق العماني حيث تتنوع البيئات وتتشعب التقاليد وتتعمق الجذور الحضارية ويصبح الفن ضرورة ملحة لحفظ هذا الإرث الغني. ويرى المعمري أنه حين يرسم الفنان مشهدا من سوق شعبي، أو يوثق لحظة من الحياة القروية أو يصور لباسا تقليديا أو حرفة مندثرة، فإنه لا يكتفي بتجميل الواقع بل هو يدون، ويوثق، ويبعث الحياة في ذاكرة المكان والناس. وعن هيمنة الذكاء الاصطناعي قال المعمري: هذه التقنيات تهدد جوهر العملية الإبداعية لأنها تحاكي أدوات الفنان وتنتج صورا تبدو مذهلة في دقتها وتكوينها، لكنني أراها دعوة لإعادة تعريف الفن، وتأكيد إنسانية الممارسة الفنية ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم أفكارا بصرية أو يساعد في تصور تكوينات جديدة أو يستخدم في بعض مراحل التصميم. وحول أثر المشاركات الداخلية والخارجية يوضح حديثه بالقول: لا أنظر للمشاركة الفنية كحدث وقتي عابر بل كفضاء من التفاعل وتبادل الخبرات، والانفتاح على رؤى ومدارس وأساليب مختلفة تترك أثرها وفي المعارض الدولية وتعلمت أن الفن حين يكون صادقا، يفهم مهما اختلفت اللغات وهذه المشاركات منحتني فرصة لأُعرف العالم على الملامح العُمانية . وقال المعمري : النقد الفني لم يرتق بعد ليكون طرفا فاعلا في المعادلة الفنية بل بقي في كثير من الأحيان محصورا في انطباعات عامة أو مجاملات ثقافية وهنا تأتي أهمية الناقد الحقيقي كمرافق بصري وفكري يحلل ويقارن ويطرح أسئلة جوهرية . وقال : أطمح إلى أن تكون أعمالي ليست مجرد لوحات بل حالات شعورية مرئية تفتح للمتلقي بابا للتأمل، أو تحفزه على الحنين، أو تجعله يتوقف قليلا ليفكر، وأريد أن تبقى أعمالي في ذاكرة من يراها، موضحا الفن التشكيلي ليس ترفا ولا هامشا، بل هو جزء من التكوين النفسي والاجتماعي للأمة. ويشير الفنان التشكيلي فهد بن سالم المعمري في ختام حديثه إلى أن تحقيق هذا التوازن بين رغبة الفنان والمتلقي يبدأ من الإخلاص، من أن يكون العمل الفني نابعًا من واقع صادق.
