أصبحتِ المناطق الاقتصاديَّة والحُرَّة أحَد أعمدة العمل الوطني لترسيخ دعائم اقتصادٍ متنوعٍ ومتينٍ، وباتَ الاعتماد عَلَيْها ركيزةً أساسيَّة تُحقِّق التَّنمية الشَّاملة المستدامة، لذا يأتي الإعلان عن توقيع الهيئة العامَّة للمناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة والمناطق الحُرَّة على سبع اتفاقيَّات ومذكّرات تفاهم للمنطقة الاقتصاديَّة بمحافظة الظَّاهرة خطوة ذات أبعاد استراتيجيَّة، تتجاوز كونها مشروعات بنية أساسيَّة لِتضعَ لَبِنة جديدة في جدار التَّكامل الاقتصادي. فهذه الاتفاقيَّات تفتح بوَّابة واسعة أمام استقطاب الاستثمارات وتنشيط التِّجارة مع الجارة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، وتُعزِّز من قدرة سلطنة عُمان على تحويل الموقع الجغرافي إلى نقطة جذب للشَّركات الإقليميَّة والدوليَّة، فإنشاء مناطق اقتصاديَّة متكاملة يُسهم في تحقيق الأهداف الوطنيَّة في رفع معدَّلات النُّمو، ويوفِّر بيئة جاذبة تدعم التنافسيَّة وتمنح القِطاع الخاصَّ مزيدًا من المرونة والدَّعم؛ لِيكُونَ شريكًا فاعلًا في تحقيق التَّنمية المستدامة. تُمثِّل الاتفاقيَّات الموَقَّعة خريطة طريق لتأسيس بنية أساسيَّة متكاملة في المنطقة الاقتصاديَّة بمحافظة الظَّاهرة، حيثُ تبدأ بتنفيذ الطُّرق الرَّئيسة ونظام تصريف المياه السطحيَّة باستثمار يتجاوز (22) مليون ريال عُماني، ويُنفَّذ من خلال شراكة ائتلافيَّة بَيْنَ شركات عُمانيَّة وسعوديَّة، وهذه الأعمال لا تقتصر على شقِّ الطُّرق وإنشاء أعمدة إنارة بالطَّاقة الشمسيَّة فحسب، بل تمتدُّ لِتشملَ حماية المنطقة من أخطار الأودية عَبْرَ تحويل مساراتها، وضمان تكامل المَرافق وفْقَ أعلى المعايير، والأهمُّ من ذلك هو ما تضمَّنته الاتفاقيَّات من التزامات واضحة تجاه المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتوسِّطة، الَّتي ستحصل على عقود بأكثر من مليونَي ريال عُماني، إلى جانب التزام بِنِسَب تعمين مدروسة تصنع كوادر وطنيَّة مُتخصِّصة، إلى جانب ذلك تدعم مذكّرة التَّفاهم مع بنك صحار الدّولي عمليَّة التَّمويل المبتكر، وتوفِّر حلولًا ذكيَّة للشَّركات والمستثمرِين، ما يُعزِّز جاذبيَّة المنطقة ويجعلها بيئة أعمال متكاملة قادرة على تلبيّة تطلُّعات المستثمرِين المحليِّين والدوليِّين. لا يُمكِن الحديث عن المنطقة الاقتصاديَّة بمحافظة الظَّاهرة بمعزلٍ عن بُعدها الجغرافي والاستراتيجي الَّذي يمنحُها ميزة تنافسيَّة مضاعفة، إذ يبرز موقعها كبوَّابة حدوديَّة مع المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، ما يحوِّلها إلى مَعْبَر حيوي للبضائع والتِّجارة البَيْنيَّة بَيْنَ أكبر اقتصادَيْنِ خليجيَّيْنِ متجاورَيْنِ. كما تسعى الهيئة إلى أنْ تصبحَ المنطقة مركزًا صناعيًّا متكاملًا يحتضن قِطاعات متنوِّعة مع تركيز خاصٍّ على الصِّناعات الحديثة والطَّاقة النَّظيفة. وتتماشى هذه التَّوَجُّهات مع رؤية تُعلي من قِيمة الرَّبط اللوجستي عَبْرَ الموانئ البَرِّيَّة والبحريَّة، وتستثمر في بنية أساسيَّة تخلق بيئة أعمال متطوِّرة مع مناطق سكنيَّة وخدمات متكاملة، وهذه الرُّؤية تُعزِّز من قدرة المنطقة على جذب استثمارات كبرى، وترسِّخ دَوْرها كمحور للتِّجارة واللوجستيَّات على مستوى مجلس التَّعاون الخليجي، ما ينعكس إيجابًا على النُّمو الاقتصادي ويُعمِّق الرَّوابط التجاريَّة مع دوَل الجوار. وفي مشهد يعكس التَّكامل بَيْنَ الأُطُر الوطنيَّة والإقليميَّة، جاء إطلاق المرحلة الثَّانية من مبادرات التَّكامل الصِّناعي بَيْنَ سلطنة عُمان والمملكة العربيَّة السُّعوديَّة لِيؤكِّدَ متانة هذا التَّعاون، حيثُ شهدتِ الرِّياض تدشين حزمة من المبادرات النَّوعيَّة بحضور كبار المسؤولين من البلدَيْنِ، حيثُ جرى استعراض المشاريع الصِّناعيَّة المشتركة وخطط التَّوسُّع المقبلة في سلاسل الإمداد والتَّصنيع، كما شملتِ اللِّقاءات تبادل الخبرات وتنسيق الجهود التَّشريعيَّة وتعزيز بيئة المنافسة، إلى جانب تفعيل برامج التَّمويل والدَّعم للصِّناعات المشتركة. ويُعَدُّ هذا المسار ترجمة عمليَّة لرؤية حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وأخيه خادم الحرمَيْنِ الشَّريفَيْنِ الملك سلمان بن عبد العزيز نَحْوَ بناء شراكات اقتصاديَّة قويَّة، قائمة على نقلِ المعرفة وتبادل الفرص وتحفيز الاستثمار، ما يمنح الاقتصاد العُماني أجنحة جديدة تحمله نَحْوَ أُفُق أوسع من النُّمو ويُعزِّز دَوْره في محيطه الخليجي والإقليمي.