الأربعاء 09 يوليو 2025 م - 13 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

في الحدث: بين أطفال غزة والسودان وأوكرانيا دموع مشتركة وحنان انتقائي

في الحدث: بين أطفال غزة والسودان وأوكرانيا دموع مشتركة وحنان انتقائي
الاثنين - 07 يوليو 2025 05:38 م

طارق أشقر

20

فيما تَسُود قناعة بَيْنَ علماء ومنظِّري العلوم الاجتماعيَّة بأنَّ الطفولة هي مرحلة يفترض أن تكُونُ ملاذًا آمنًا للأطفال أينما كانتْ جغرافيَّتهم المكانيَّة، وأن تكُونَ زمنًا للنُّمو والبراءة والتعلُّم، غير أنَّ جغرافيَّة قِطاع غزَّة والسودان وأوكرانيا يكبر فيها الأطفال تحت ظلال القصف والرصاص والنزوح. الأطفال بسبب القصف «الإسرائيلي» في غزَّة، وتمرُّد الدَّعم السَّريع في السُّودان، والقصف المتبادل بَيْنَ موسكو وكييف في أوكرانيا، تجمع بَيْنَهم الدُّموع السَّاخنة والإحساس العميق بالضياع والألم، ويفرق بَيْنَهم عدم الإنصاف في تصنيف معاناتهم والحنان الانتقائي الَّذي يمارسه الغرب تجاه أطفال أوكرانيا على وَجْه التَّحديد ودُونَ غيرهم. لقد صنعتْ هذه المناطق المشتعلة بالحروب رغم تباعدها الجغرافي، رابطًا مأساويًّا بَيْنَ أصغر ضحاياها حيثُ هناك لُغة مشتركة من الخوف والصدمة والفقد يعاني مِنْها كافَّة الأطفال في تلك المناطق، حتَّى النَّاجون مِنْهم والبعيدون الَّذين رُبَّما كانوا محظوظين بنجاتهم من الموت، غير أنَّ ضياع الأحلام أصبح ملازمًا لهم، وذلك نتيجة لتداعيات الحرب الَّتي بالضرورة تنعكس على الصحَّة والتَّعليم ومعايش النَّاس وتحديدًا الأطفال. إنَّ ما يُوحِّد أطفال هذه المناطق هو معايشتهم المباشرة للعنف أو لنتاجاته، فمِنْهم مَن رأوا منازلهم تتحول إلى أنقاض أو يتمُّ نهبُ محتوياتها في إفقار متعمد، ومدارسهم تُقصف أو تتحول إلى ملاجئ، وعائلاتهم تتفكك أحيانًا دُونَ رجعة، سواء في أزقَّة غزَّة المحاصَرة، أو في القرى الَّتي اجتاحتها قوَّات الدَّعم السَّريع في السُّودان وما زالت متأثرة بما تركوه من خراب يحتاج عشرات السنين لإعادة الإعمار، أو مُدن شرق أوكرانيا المدمّرة، غير أنَّه في كافَّة هذه المناطق تبقَى النُّدوب النَّفسيَّة عميقة. ولكن ما يفرِّق بَيْنَ هؤلاء الأطفال هو ليس المعاناة، بل طريقة استجابة العالم لمعاناتهم تلك، فأطفال أوكرانيا حظوا بتعاطف عالمي واسع، ومساعدات إنسانيَّة كبيرة وأحضان دافئة واستعداد للتَّبنِّي، فقصصهم تتصدر عناوين الصحف العالميَّة، ويتمُّ طرح معاناتهم في المحافل الدوليَّة، ويتمُّ الدِّفاع عن حقوقهم علنًا في أروقة السِّياسة، خصوصًا الغربيَّة المؤثرة. أمَّا أطفال غزَّة والسُّودان فكثيرًا ما يواجهون معاناتهم في صمتٍ نِسبي، في حين تَدُور الحرب رحاها إمَّا بالتجويع في غزَّة من خلال رصاصة مقابل حفنة طحين في ظلِّ وجود ما يُسمَّى مؤسَّسة غزَّة الخيريَّة، أو بضرب مُخيَّمات اللُّجوء كمُخيَّم زمزم بواسطة الدَّعم السَّريع في غرب السُّودان، في حين أنَّ حجم التَّعاطف يتحدد مع المظاليم في زمن الحرب من خلال عدسات الرؤى السِّياسيَّة وحسابات المصالح الدوليَّة. في الواقع أنَّ المُجتمع الدّولي بعضه يُعبِّر عن دعمه، فيما يلوذُ بعضه الآخر بالصَّمت؛ بدعوى الحياد أو بتعقيد الأمور بالجغرافيا السِّياسيَّة، وحتَّى عِندَما تصل المساعدات، فإنَّها غالبًا ما تتأخر بفعل الحصار أو البيروقراطيَّة وغيرها من المعيقات عسكريَّة كانتْ أو غير عسكريَّة. إنَّ هذا التَّفاوت في التَّعاطف لا يُعَدُّ فشلًا إعلاميًّا فحسب، بل هو إخفاق أخلاقي، فهو يكشف الحقيقة المُرَّة الَّتي توضح بأنَّ قِيمة حياة الطِّفل في نظر المُجتمع الدّولي قد تختلف باختلاف موقعه الجغرافي أو دِينه أو جنسه أو الانتماء السِّياسي لأهله، فهو ما زال طفلًا غضًّا لا يفهم في السِّياسة، بل يعي معنى الحُريَّة والأمن والسَّلام ومزوَّد بالفطرة بالقدرة على تذوُّق طعم هذه المفردات إن وجدها على أرض واقعه. إذا كان أطفال الحروب توحِّد بَيْنَهم المعاناة، فلا بُدَّ أن يتوحدَ العالم في استجابته لتلك المعاناة فدموع الطِّفل في غزَّة لا تقلُّ ملوحةً وسخونةً عن تلك في كييف أو الخرطوم وقرى الجزيرة وسنجة وكركوج والنِّيل الأزرق بالسُّودان الَّذين ما زالوا يعانون من أثَر ممارسات التمرُّد، في حين يموتُ الطِّفل في غرب السُّودان في اليوم أكثر من مرَّة وذلك من الحصار والاقتحامات المتكررة. لذلك فإنَّ النِّداء الإنساني لا ينبغي أن يتمَّ الاستماع له في مكان دُونَ آخر، خصوصًا إن أردنا الحفاظ على أدنى درجات الإنسانيَّة المشتركة... والله المستعان.

طارق أشقر

[email protected]

من أسرة تحرير «الوطن»