الاثنين 07 يوليو 2025 م - 11 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن: سلطنة عمان.. معادلة الثبات فـي زمن الأزمات

السبت - 05 يوليو 2025 05:51 م

رأي الوطن

30

تخوض سلطنة عُمان منذُ سنوات مسارًا تنمويًّا يبرهن أنَّ التَّعامل مع التَّحدِّيات الكُبرى لا بُدَّ أن يعتمدَ على تأسيس أرضيَّة صُلبة تجعل أيَّ أزمةٍ مهما بلغتْ حدَّتها فرصةً لإعادة ترتيب الأوراق. فحين تهاوتْ أسعار النِّفط أُنهكتْ موازنات كثيرة، ثمَّ جاءتْ جائحة كورونا لِتجمدَ الحركة وتكشفَ هشاشة الاعتماد على مورد وحيد، تلا ذلك ارتباك سلاسل التَّوريد وصراعات سياسيَّة وحروب قلبتْ حسابات اقتصادات ضخمة، ومع كُلِّ هذا وضعتْ عُمان أولويَّة واضحةً منذُ تَولِّي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وهي بناء اقتصاد يتَّكئ على تعدُّد الموارد واتِّساع القاعدة الإنتاجيَّة، وهكذا جاءتْ خطَّة التَّوازن المالي لِتضبطَ المسار وتحدَّ من الهدر وتخلقَ قاعدة صُلبة تستند إِلَيْها رؤية «عُمان 2040»، الَّتي امتدَّتْ لِتفتحَ آفاقًا أمام قِطاعات جديدة تولِّد فرصًا متراكمة، وتزيد مساحة الأمان المالي، لِيظلَّ الاقتصاد في مسار نُموٍّ لا يتوقف عِندَ أوَّل صدمة خارجيَّة ولا يتراجع أمام موجة طارئة. ولعلَّ بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تروي حقيقة الجهود المتواصلة، فالنَّاتج المحلِّي الإجمالي سجَّل في نهاية الرُّبع الأوَّل من عام 2025 قِيمة (9) مليارات و(430) مليونًا و(100) ألف ريال عُماني، مرتفعًا عن نَفْس الفترة من عام 2024 الَّتي سجَّلتْ (9) مليارات و(201) مليون و(800) ألف ريال عُماني، بزيادة (2.5) بالمئة، والتَّفاصيل تكشفُ أنَّ محرِّك هذا النُّموِّ جاء من الأنشطة غير النفطيَّة الَّتي رفعتْ قِيمتها المُضافة إلى (6) مليارات و(922) مليونًا و(200) ألف ريال عُماني مقابل (6) مليارات و(629) مليونًا و(100) ألف ريال عُماني العام الماضي، بزيادة (4.4) بالمئة، وحين تتحرك هذه القِطاعات في مسار تصاعدي بهذا الشَّكل فهذا يعني أنَّ الأرضيَّة الإنتاجيَّة صارتْ أكثر صلابة وأقلَّ تأثرًا بتقلُّبات الأسواق العالَميَّة. ومن هذا المنطلق تتأكَّد جدوى الإصلاحات وتبرز أهميَّة مواصلة نَفْس النَّهج الهادئ القائم على قراءة دقيقة للواقع وحساب المخاطر قَبل الاستثمار في أيِّ مسار جديد. إنَّ مواصلة القِطاع الزِّراعي وصيد الأسماك تُحسِّن أرقامه لِيسجِّلَ نُموًّا بنسبة (7.6) بالمئة بقِيمة (273) مليونًا و(600) ألف ريال عُماني، وهي خطوة تدعم التَّنويع كما تدعم الأمن الغذائي، كما تحرَّكتِ الأنشطة الصناعيَّة نَحْوَ توسُّع أكثر عمقًا، فبلغتْ مساهمتها مليارَيْنِ و(31) مليونًا و(300) ألف ريال عُماني بزيادة (7) بالمئة، وهو رقم يحمل في طيَّاته دلالة نجاح جهود التَّصنيع المحلِّي ورفع القِيمة المضافة للمواد الأوَّليَّة، بالإضافة إلى القِطاع الخدمي الَّذي بِدَوْره يظلُّ يؤدِّي دَوْره الحيوي كرافعةٍ للنِّشاط الاقتصادي، إذ سجَّل نُموًّا قدره (3.2) بالمئة لِتصلَ مساهمته إلى (4) مليارات و(617) مليونًا و(300) ألف ريال عُماني. ومع كُلِّ هذا التنوُّع بقِيَتِ الأنشطة النِّفطيَّة مستقرَّة رغم التَّراجع المحدود بنسبة (0.4) بالمئة، بَيْنَما حقَّق نشاط الغاز الطَّبيعي قفزة مُهمَّة بنسبة (9.5) بالمئة لِيصلَ إلى (475) مليونًا و(300) ألف ريال عُماني. هذه المؤشِّرات توضح كيف أعادتْ عُمان توزيع الثّقل الاقتصادي على أكثر من قِطاع، فتقلَّصتِ المخاطر وتعدَّدتِ مصادر النُّمو واستقرَّتِ الصُّورة الكُليَّة عِندَ حدودٍ آمِنة. لا تعني نجاحات المؤشِّرات الاقتصاديَّة الاكتفاء بما تُحقِّق، فالمعادلة تَقُوم على استمرار البناء، والأُفُق مفتوح أمام استثمارات جديدة وشراكات مبتكرة ومسارات إنتاج تواكب طبيعة التَّحوُّلات العالَميَّة، وفي قلبِ كُلِّ ذلك القِطاع الخاصُّ مدعوٌّ لِيكُونَ ذراعًا مساهمًا في صياغة عوائد حقيقيَّة ترفد النَّاتج المحلِّي وتولِّد فرصًا نَوعيَّة للعُمانيِّين، كما أنَّ البيئة التَّنظيميَّة المَرِنة والدَّعم الرَّسمي المستمر يفتحان المجال أمام المشاريع الجادَّة التي تستثمر في أرضيَّة صارتْ مهيَّأة لاستقبال الأفكار القابلة للتَّحقيق.. ووسط الأزمات والحروب واضطراب موازين الطَّاقة عالَميًّا، تثبتُ عُمان أنَّ الاستقرار لا يُؤخذ من الأسواق بقدر ما يُصنع من الدَّاخل بخطط متوازنة ونظرة متفائلة تحفظ ما تحقَّق وتدفع نَحْوَ فرص أكبر لجيل اليوم وجيل الغد، وهكذا تظلُّ السَّلطنة ركيزة استقرار إقليمي ومثالًا على أنَّ الإرادة الواعية تَقُودُ إلى تنميةٍ راسخة لا تهزُّها الظُّروف.