الاثنين 07 يوليو 2025 م - 11 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

في العمق: الجنسيات العربية والمكون الجرمي فـي سلطنة عمان: قراءة فـي المؤشرات الأمنية والاجتماعية

في العمق: الجنسيات العربية والمكون الجرمي فـي سلطنة عمان: قراءة فـي المؤشرات الأمنية والاجتماعية
السبت - 05 يوليو 2025 05:47 م

د.رجب بن علي العويسي

90

تشير الإحصائيَّات الصَّادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في سلطنة عُمان إلى أنَّ إجمالي عدد الوافدين حتَّى نهاية يونيو 2025 بلغ (2,296,984) وافدًا، يُشكِّلون ما نسبته (43.28%) من إجمالي عدد السكَّان. كما أظهرت الإحصائيَّات إلى أنَّ إجمالي عدد المشتغلين في السلطنة خلال عام 2023 بلغ نَحْوَ (2.7) مليون مشتغل، بزيادة بلغتْ (6.8%) عن العام السابق، وكانتْ نسبة الوافدين من هذا الرقم (68.2%)، في مقابل (31.8%) من العُمانيِّين؛ ورغم أنَّ الجنسيَّات الآسيويَّة، وتحديدًا البنجلادشيَّة والهنديَّة والباكستانيَّة، تهيمن على سُوق العمل العُماني من حيثُ العدد، إلَّا أنَّ الإحصائيَّات لعام 2023 تشير أيضًا إلى تنامي حضور الجنسيَّات العربيَّة في سُوق العمل العُماني حيثُ تأتي الجنسيَّة المصريَّة في مقدمة العاملين العرب في القِطاع الحكومي بعدد (9,225) موظفًا، تليها الجنسيَّة التونسيَّة بـ(2,185)، ثم السودانيَّة بـ(1,610)، إضافة إلى جنسيَّات عربيَّة أخرى بـ(1,078). وفي القِطاع الخاص، بلغ عدد المصريِّين العاملين فيه عام نَحْوَ (32.395). وعلى الرغم من دَوْر الأيدي العاملة الوافدة عامَّة في رفد الاقتصاد الوطني ودعم التحوُّلات التنمويَّة والاستثماريَّة، إلَّا أنَّ اتساع هذا الوجود خارج الإطار القانوني عَبْرَ التهريب والتسلل ودخول البلاد بطريقة غير شرعيَّة أو بالأعمال الوهميَّة وتفاقم تداعياته السلبيَّة على جوانب عدَّة من التَّنمية، أصبح أمرًا مقلقًا، حيثُ أظهرتْ عمليَّة المسح الَّتي قمنا بها لموقع شُرطة عُمان السُّلطانيَّة في منصَّة (X) في الأشهر الستة الأولى ـ حتَّى الـ(30) من يونيو من عام 2025، بروز واضح للجنسيَّات العربيَّة في المكوِّن الجرمي في سلطنة عُمان، وكشف المسح عن تورُّط وافدين عرب في مجموعة من القضايا الجنائيَّة

• نشر مقاطع مرئيَّة مخلَّة بالآداب والأخلاق العامَّة.ومن بَيْنِها:

• سرقة مصوغات ذهبيَّة وأموال وممتلكات من منازل.

• جرائم اختلاس وغسل أموال من داخل شركات تجاريَّة.

• جرائم اتجار بالبشر، واستدراج نساء وإكراههن على أعمال منافية للأخلاق.

• التسلل غير المشروع ومساعدة متسللين على الدخول أو التهريب.

• حيازة وتهريب المخدرات بأنواعها، مثل الكريستال والمورفين والحشيش.

• الاحتيال من خلال استبدال عملات مزورة أو إنشاء مواقع إلكترونيَّة مزيفة.

• نصب عَبْرَ مواقع التواصل وإعلانات زائفة أو شركات وهميَّة.

• تهريب طائرات مسيَّرة ومواد ممنوعة.

• انتحال صفة رجال الشُّرطة والسرقة بالإكراه.

وبالتالي فإنَّ إسقاط هذه الجرائم على إحصائيَّات الادعاء العام لعام 2024، يعكس قوَّة ارتباط هذا السلوك الجرمي بما شهدته الجرائم الأكثر تسجيلًا من ارتفاعات مقلقة مقارنة بعام 2023. والَّتي تصدرت فيها جرائم الاحتيال القائمة بنسبة زيادة (67%)، تلتها مخالفات قانون العمل (64%)، ثم مخالفات إقامة الأجانب (46%). كما ارتفعت جرائم الشيكات بنسبة (15%)، وبلغتْ قضايا غسل وتهريب الأموال (173) قضيَّة. ويؤكد هذا كُلُّه تصاعد الجرائم الواقعة على الأموال والَّتي تشمل الاحتيال، الشيكات، الاختلاس، وغسل الأموال. وارتفاع في الجرائم المخالفة للقوانين، وجرائم المخدرات، والجرائم الواقعة على الإدارة العامَّة والمخلَّة بالثِّقة العامَّة الجرائم المخلَّة بالعِرض والأخلاق العامَّة، والجرائم الأخرى.

ومع القناعة بأنَّ أعداد الجرائم الواقعة من الجنسيَّات العربيَّة تشكل نسبة قليلة من حجم الجرائم الواقعة من الجنسيَّات غير العربيَّة، من جنوب آسيا، حيثُ إنَّ نسبة حضور الوافدين الجناة عامَّة في المكوِّن الجرمي حسب إحصائيَّات عام 2024 بلغتْ (45.9%)، ولا توجد إحصائيَّات رسميَّة منشورة تحدد مستوى حضور الجنسيَّة العربيَّة في معدَّل الجريمة في سلطنة عُمان، حيثُ يتمُّ التعامل مع الوافدين بشكل عام، سواء الجنسيَّات من جنوب آسيا أو الجنسيَّات العربيَّة، وأنه بالنظر إلى حجم وجود هذه الجنسيَّات الآسيويَّة الَّذي يفوق عدد الجنسيَّات العربيَّة فإن الدلالات المتوقعة أن يكُونَ مساهمة الجنسيَّة العربيَّة في معدَّل الجريمة أقل ـ وهو أمر متفق عليه ـ إلَّا أنَّ ما يظهر من وجود الجنسيَّة العربيَّة في الرصد اليومي للسلوك العام والجرائم في موقع شُرطة عُمان السُّلطانيَّة مؤشِّر خطير تعززه الكثير من المهيجات، وقد يتطور بشكل أكبر على المدى البعيد، الأمْر الَّذي يستدعي اتخاذ إجراءات واضحة وتبنِّي سياسات أكثر قدرة على ضبط هذه الممارسات.

والسؤال الَّذي يطرح نفسه: لماذا قد تُشكِّل الجرائم الواقعة من الجنسيَّة العربيَّة خطرًا أكبر من غيرها؟

إنَّ الإجابة على هذا التساؤل يرتبط بالبعد النوعي للجريمة وليس العددي فقط. فحتَّى مع الإشارة إلى أنَّ نسبة الجرائم الواقعة من الجنسيَّات العربيَّة الوافدة أقل من الجنسيَّات الآسيويَّة، إلَّا أنَّ تأثيرها وتداعياتها أكثر خطورة أو تهديدًا في ظلِّ السياقات الثقافيَّة والاجتماعيَّة المشتركة ممَّن لو تمَّت هذه الجرائم من قِبل الجنسيَّات غير العربيَّة لأسباب ترتبط بأبعاد ثقافيَّة إذ يتقاسم الوافدون العرب مع المُجتمع العُماني الكثير من القِيَم الدينيَّة (الإسلاميَّة) والعادات الاجتماعيَّة والمشتركات، والنتائج المترتبة عليها تكُونُ أكثر صادمة وقد تتسبب في حساسيَّات على مستوى أعلى أن لو كانتِ الجريمة قد صدرت من عامل آسيوي. كما أنَّ القدرة اللغويَّة والاندماج اللغوي والثقافي يصنع مساحة أمان أكبر حيثُ يشعر المواطن عِندَما يتعامل مع وافد عربي بأنَّه يتعامل مع شخص يشترك معه في الكثير من السياقات لذلك فمساحة الأمان والثِّقة معه ستكُونُ أكبر لسهولة التقارب المعرفي واللُّغوي، كما يتقاسم معه مشترك المعرفة بالقانون واللغة والثقافة، الأمْر الَّذي يقلل من الشعور السلبي لديه بأنَّه يمارس ضدَّه جرم متحقق، لذلك تبدو الجرائم المتعلقة بالاحتيال والتزوير واستغلال ثقة النَّاس وطيبة المُجتمع لِتكُونَ الجرائم الأكثر وقعًا من الجنسيَّات العربيَّة ـ وهو ما يظهر من المسح الَّذي أشرنا إليه من حيثُ تكرار وجود هذه الممارسات في أوقات وأماكن مختلفة ـ ممَّا يُمكِن أن يحصل من الجنسيَّات الآسيويَّة، وتصبح شبكة العلاقات والمشتركات الأقوى الَّتي تربط المواطن بالوافد العربي سببًا في التوسع في الجرائم عِندَما يستغل الوافد العربي طيبة المواطن، سواء كان مستفيدًا من الخدمة الَّتي يقدمها أو أنَّه الكفيل على هذا الوافد، الأمْر الَّذي قد يسهل ـ خصوصًا إن ارتبطت بتعابير دينيَّة ولُغويَّة وهيئة شخصيَّة ـ لكسب ثقة الضحايا في الجرائم الَّتي تتعلق بشبكات التهريب أو والتحايل على القانون أو الرشاوي أو حتَّى جرائم منظمة بتزوير الوثائق والهُوِيَّات أو الشهادات أو إنشاء شركات وهميَّة للنَّصب على مواطنين نظرًا لامتلاك الوافد العربي لشبكة علاقات اجتماعيَّة أوسع مع المواطن والمُجتمع العُماني بسبب التقارب اللُّغوي والثقافي والديني، وهذا النَّوع من الجرائم قد يكُونُ أقل شيوعًا بَيْنَ الجنسيَّات الآسيويَّة الَّتي غالبًا ما تبقى هذه السياقات خطًّا فاصلًا بَيْنَ الوافد والمواطن.

عليه، فإنَّ التحليل النَّوعي لهذا الوضع يجيب عن التساؤل المطروح بأنَّ الجرائم الَّتي يرتكبها بعض الوافدين من الجنسيَّات العربيَّة، رغم كونها أقل من الناحية العدديَّة، فإنَّها أكثر وقعًا وتأثيرًا على المُجتمع العُماني، ويعود ذلك إلى القرب الثقافي والديني واللُّغوي بَيْنَ المُجتمع العُماني وهذه الجنسيَّات، ما يجعل الثِّقة متبادلة في كثير من المعاملات، ويمنح الوافد العربي مساحة أمان اجتماعيَّة تُستغل أحيانًا لارتكاب جرائم احتيال أو نصب أو استغلال ثقة المواطنين ما يجعل تأثير الجريمة أكثر صدمة عِندَما تصدر من وافد عربي مقارنة بوافد آسيوي، ناهيك عن أنَّ خطر هذه الممارسات الجرميَّة لا يقتصر على أبعادها القانونيَّة فحسب، بل يمتد إلى التبعات الثقافيَّة والاجتماعيَّة وحتَّى النفسيَّة، وتُفسر في ظل تداولها عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة وفْقَ أُطر دينيَّة أو فكريَّة أو أخلاقيَّة، الأمْر الَّذي يجعلها ذات حساسيَّة مُجتمعيَّة أكبر، ويضخم آثارها في وسائل الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي.

أخيرًا، فإنَّ تحوُّل النطاق الجرمي إلى الجنسيَّات العربيَّة يُحتم على الجهات المختصة مراجعة السياسات المرتبطة بتسهيل دخول بعض الجنسيَّات العربيَّة عن طريق التأشيرات السياحيَّة أو الاستثماريَّة في ظلِّ الأوضاع السياسيَّة الَّتي تعيشها المنطقة، والَّتي قد تُستغل لأغراض غير مشروعة. كما يَجِبُ تعزيز الرقابة على الأنشطة الاقتصاديَّة، وخصوصًا في مجالات العقارات والبيع والشراء، حيثُ تبرز شكاوى المواطنين من سوء تعامل بعض الجنسيَّات العربيَّة. ويبقى التحدي الأكبر في أنَّ الجرائم الصَّادرة عن بعض الجنسيَّات العربيَّة، رغم قلتها، إلَّا أنَّها تحمل بُعدًا نوعيًّا خطيرًا يفرض معالجات دقيقة واستباقيَّة. فالثِّقة الاجتماعيَّة الَّتي يمنحها المُجتمع العُماني لهذه الجنسيَّات يُمكِن أن تتحول إلى أداة تُستغل للإضرار بالوطن والمواطن، وهو ما يستدعي تعزيز الوعي الجمعي، وتكثيف الرقابة، وإعادة النظر في سياسات الاستقدام، لحماية المُجتمع من تداعيات أخلاقيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة قد تكُونُ أعمق ممَّا تشير إليه الأرقام.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]