مع عدم ضمان استمرار وقف تصاعد التَّوَتُّرات بَيْنَ إيران و»إسرائيل»، والخوف من عودة تصاعد أعمدة الدخان بميادين الصِّراع بَيْنَ الطرفيْنِ، تزداد المخاوف من أن تحدثَ التَّداعيات الاقتصاديَّة صداها بترك تأثيرات تتجاوز ساحات المعركة. ورغم التَّوَصُّل إلى اتِّفاق وقف إطلاق النَّار، إلَّا أنَّ استناد الاتِّفاق فقط على القدرات الشخصيَّة للرَّئيس الأميركي في التَّأثير على متَّخذي قرار الحرب في «إسرائيل» يُعَد غير كافٍ لضمان عدم خرق الاتِّفاق، فيما لم يَعُدِ الصِّراع يتمُّ النَّظر إِلَيْه كمجرَّد تنافس إقليمي على مَن له حقُّ امتلاك وسائل الرَّدع والسَّيطرة على المنطقة عسكريًّا وسياسيًّا، وبالتَّالي يظل هذا الصِّراع عاملًا مؤثرًا بشكلٍ قوي في الأسواق العالَميَّة ليدفعَ بأسعار الطَّاقة إلى الارتفاع كُلَّما تمَّ خرق اتِّفاق وقف إطلاق النَّار، ممَّا يُسهم في إرباك مسارات التِّجارة المرتبكة في الأصل نتيجة عدم استقرار الرُّسوم الجمركيَّة. على المستوى العالَمي لا يُمكِن تجاهل العواقب؛ أذ أصبحتْ حركة الشَّحن في البحر الأحمر وغيره من الممرَّات المائيَّة التجاريَّة القريبة من مناطق الصِّراع مهدَّدة بسبب عدم ضمان استمرار وقف إطلاق النَّار بِدُونِ اتِّفاق مكتوب ملزم، في حين أنَّ أيِّ توتُّرات عسكريَّة بالممرَّات التجاريَّة المائيَّة تؤدي بالضرورة إلى ارتفاع تكاليف التَّأمين وتأخير الإمدادات، ممَّا يؤثِّر على سلاسل التَّوريد للشُّركاء الاقتصاديِّين العالَميِّين للمنطقة. وفي صميم هذه التَّداعيات يقع مضيق هرمز، شريان النِّفط الأهم في العالَم، وذلك في وقت تلوِّح فيه بعض الأصوات في إيران بَيْنَ الحين والآخر بقدرتها على تعطيل هذا الممرِّ الحيوي وذلك ردًّا على التَّهديدات «الإسرائيليَّة» أو الغربيَّة. وفي كُلِّ مرَّة يتمُّ فيها التَّلويح بهذا التَّهديد تقفز أسعار النِّفط ولو قليلًا ممَّا يدفع الدوَل المستوردة إلى حالة من القلق، ويزيد من معدَّلات التَّضخُّم بها، فضلًا عن أنَّه يزيد من مداخيل الدوَل المنتجة كنتيجة إيجابيَّة.. هذا إن افترضنا جدلَا بأنَّ للحروب بعض الانعكاسات الإيجابيَّة على الاقتصاد. ورغم أنَّ دوَل الخليج المصدرة للنِّفط قد تستفيد مؤقتًا من ارتفاع الأسعار، إلَّا أنَّ عدم الاستقرار بالمنطقة المصاحب لذلك الارتفاع سيُسهم في تعكير مناخ الاستثمار ويهدِّد الخطط طويلة المدى لتنويع الاقتصادات بعيدًا عن النِّفط. وبالنِّسبة لإيران المُثقلة أصلًا بالعقوبات، فيرى المحلِّلون الاقتصاديون بأنَّها ستدفع الثَّمن الاقتصادي الأكبر؛ لأنَّ العبء الاقتصادي النَّاتج عن تمويل العمليَّات العسكريَّة الَّتي خاضتها طوال اثني عشر يومًا، إلى جانب تأثير العقوبات الغربيَّة، وتكاليف إعادة الإعمار، في وقت لا توجد فيه ضمانات بأن يدعمَها الغرب في إعادة الإعمار، كُلُّ ذلك سيؤدي بالنَّتيجة إلى ارتفاع التَّضخُّم بها، علاوة على الإسهام في انخفاض في قيمة العملة الإيرانيَّة، ممَّا سينعكس سلبًا على الأوضاع المعيشيَّة بالدَّاخل الإيراني. أمَّا «إسرائيل» الَّتي تعتمد على اقتصاد الابتكار والتكنولوجيا فهي بالنَّتيجة ستواجه تحدِّيات مختلفة، بَيْنَها تكلفة إعادة الإعمار، وتعاظم الإنفاق العسكري بسبب تبنِّيها للخطط العدوانيَّة ضدَّ محيطها في غزَّة وضدَّ إيران، في حين سيصبح المستثمرون الأجانب أكثر حذرًا في الاستثمار بـ»إسرائيل» من أيِّ وقت مضى، كما يتوقع أن يشهدَ قِطاع السِّياحة الحيوي فيها تراجعًا كبيرًا، فيما يرى المراقبون أنَّ الإنفاق الأمني المتزايد واضطراب الصَّادرات قد يؤثران سلبًا على الأداء الاقتصادي «الإسرائيلي» وذلك في حال استمر التَّوَتُّر العسكري بَيْنَها وإيران. أمَّا القوى الكبرى مثل الصين وروسيا وأميركا رُبَّما تسعى لاستغلال هذا النِّزاع لتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة، وذلك من خلال صفقات السِّلاح حتَّى بعد انتهاء الحرب، كما ستنعكس هذه التَّداعيات سلبًا وبالنَّتيجة على حالة الاستقرار الاقتصادي النسبي الَّذي ظلَّتْ تتمتع به المنطقة. عَلَيْه ورغم التَّوَصُّل إلى اتِّفاق (شفهي) لوقف إطلاق النَّار فإنَّ هشاشة ذلك الاتِّفاق رُبَّما تعزز من قدرة الصِّراع الإيراني «الإسرائيلي» على أن يمسكَ بخيوط الأسواق العالَميَّة، فهو لم يَعُدْ مجرَّد صراع إقليمي، بل خطّ تصدُّع جيواقتصادي تمتد ارتداداته من طهران و»تل أبيب» إلى وول ستريت وشنغهاي، فإذا استمر الصِّراع دُونَ التَّوَصُّل إلى اتِّفاق مكتوب وملزم لكافَّة أطراف الصِّراع، فلن تُحسب التَّكلفة فقط بالأرواح الَّتي تمَّ فقدُها نتيجة الهجمات المتبادلة، بل أيضًا بارتفاع الأسعار، وتعطيل التِّجارة، وتزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي على مستوى العالَم... والله المستعان.
طارق أشقر
من أسرة تحرير «الوطن»