يشدُّ عشرات الآلاف من الشبَّان اليهود عَبْرَ العالَم الرحال نَحْوَ «إسرائیل»، تاركين بلدانهم الأصل ومتوسلين الفردوس الموعود، على أمل العيش في مُدن جميلة، مليئة بالمقاهي والمراقص والمتنزهات والمتاحف، ولكنَّهم غير آبهين بحقيقة مفادها هو أنَّ هذه المُدن يُمكِن أن تُقصف من قِبل أعداء «إسرائيل» المحيطين بها من جميع الجوانب والاتجاهات (دولًا وجماعات مسلَّحة) ! أمَّا مُشْكلة هؤلاء الحالمين، الذاهبين إلى «أرض الميعاد»، فهي أنَّهم غالبًا ما يصابون بخيبات الأمل، وذلك بعد اكتشافهم بأنَّ هذه المُدن الموعودة لا تزيد (في حقيقتها) على «ثكنات» عسكريَّة، يتوجب عليهم فيها أن يتدربوا على حمل السلاح؛ نظرًا لأنَّ الموت يترصدهم من بعض سكَّانها أو العاملين في خدماتها، أو من الصواريخ والمُسيَّرات من النَّوع الَّذي طيَّرته جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة نَحْوَ «تل أبيب» وحيفا، من بَيْنِ سواها من «حواضر» الكيان الصهيوني ومستعمراته! هذه المُدن هي (في حقيقتها) مجرَّد ثكنات عسكريَّة، وعلى كُلِّ مَن يحيا في هذه الثكنات أن يدرك جيدًا بأنَّه في «حالة حرب»، شاء أم أبى، وأنَّ هذا القدر مكتوب على الإناث والصبيَّة، كما هو مكتوب على البالغين من الرجال، خصوصًا وأنَّ عليهم ترصُّد أيِّ حركة غير متوقعة أو مفاجئة، كأن تنطلق حافلة أو شاحنة بكُلِّ ثقلها وكتلتها لتصدمه مع سواه في أيِّ تجمع عام في مطعم أو موقف حافلة أو تظاهرة سلميَّة. وهكذا يجد هؤلاء الحالمون بـ«الأرض الموعودة» أنَّهم جوهريًّا قد سقطوا في فخ قوامه آلاف الملاجئ الَّتي تنتظرهم في أيِّ لحظة تنطلق بها صفارات الإنذار تحذيرًا من الصواريخ القادمة من لبنان أو اليمن أو إيران: فيا لها من مُدن كئيبة هي ثكنات مليئة بالملاجئ والمشاجب وساحات التدريب.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي