الخميس 03 يوليو 2025 م - 7 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

مدن الملاجئ

مدن الملاجئ
الأربعاء - 02 يوليو 2025 05:38 م

أ.د. محمد الدعمي

10

إذا كانتْ مُدُن العالَم الأكثر تحضُّرًا ومَدَنيَّة وجذبًا سياحيًّا تفتخر ببعض المرافق السِّياحيَّة، كنقاط جذب سياحي عالَمي، فإنَّ مُدُن «إسرائيل» ينبغي أن تفتخرَ بأنَّها فاقتْ مُدُن العالَم قاطبة، ومِنْها مُدُن ألمانيا الرايخ الثَّالث، من بَيْنِ سواها من مُدُن أوروبا الحرب العالَميَّة الثَّانية.. أقول أن تفتخرَ في أنَّها «مُدُن ملاجئ»؛ باعتبار تفوُّقها في حفر الملاجئ وبنيانها بأعداد كبيرة ! وليسَتْ هذه الظَّاهرة بقِيَمها بغير المبرَّرة هناك، ومردُّ ذلك هو الشُّعور الوسواسي بأنَّ سكَّان مُدُن «إسرائيل»، بل وحتَّى قُراها وبلداتها الصَّغيرة تعتمد على ضمِّ سكَّانها في ملاجئ دفينة، كبارًا وصغارًا، حال الشُّعور بالخطر الدَّاهم من مُسيَّرات أو طائرات أو صواريخ نوع أرض ـ أرض. لذا، لا مفرَّ للمرء من أن يشعرَ بأنَّ هذه المُدُن والبلدات والقُرى أشْبَه ما تكُونُ بمحار البحار، حيثُ «تنكبس» على محتوياته في الأعماق إذا ما أحسَّ ذلك المحار بخطرٍ داهم من مخلوق بحري أو إنسان طامع بما في دواخل المحار من محتويات! وهنا يبدو المشهد (متخيلًا) مضحكًا، خصوصًا عِندَما تتواتر رشقات الصَّواريخ وتزدحم المُسيَّرات في سماوات المُدُن «الإسرائيليَّة»، إذ يبقَى السكَّان مثل ماء «الأواني المستطرقة» صاعد/ نازل بَيْنَ السَّطح (سطح الأرض) وظُلمات الملاجئ الخانقة الَّتي تزدحم خلال وقتٍ قياسي بالنِّساء والأطفال والرِّجال الهاربِينَ من المتفجرات المتساقطة على أبنية وشوارع وأزقَّة مُدُنهم، بعد أن تخلوَ المُدُن من أيِّ روح أو من أيِّ حركة بسبب انغلاق أغطية وأبواب الملاجئ على مَن هرب للاختباء في أعماقها، خوفًا من النِّيران المتساقطة كالمطر! ويُذكِّرني هذا المشهد بقصيدة بدر شاكر السيَّاب البديعة «أنشودة المطر»: مطر، مطر، مطر ! وهكذا يقضي سكَّان «إسرائيل» نصف أطوال سني حياتهم في ظُلمة الملاجئ، أمَّا النِّصف الآخر فيقضونه في التَّدريب العسكري والاستعداد للاختباء من الهجمات المتنوِّعة!

أ.د. محمد الدعمي

كاتب وباحث أكاديمي عراقي