يشهد العالم تسارعا كبيرا في التطور التكنولوجي، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي الذي أصبح حجر الزاوية للثورة الصناعية الحديثة، التي أوجدت واقعًا جديدًا يفرض نفسه على الجميع دول ومؤسسات وأفراد، هذا الواقع الذي لم يعد خيارا بل ضرورة حتمية على كل دولة تسعى للحفاظ على مكانتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة في ظل المنافسة العالمية المحتدمة على الاستثمار في قطاعات استراتيجية كالاتصالات، وتقنية المعلومات، والذكاء الاصطناعي الذي يشكل مستقبل التنمية الاقتصادية والمعرفية خلال المرحلة القادمة. ويبرز الذكاء الاصطناعي كعامل وعنصر أساسي في تحويل الاقتصادات وتطوير الخدمات وتحقيق التحولات الاجتماعية والثقافية، ما دفع العديد من الدول إلى إنشاء هيئات ومؤسسات مستقلة متخصصة لوضع السياسات والبرامج الوطنية، مع التركيز على صيانة الهوية الوطنية والقيم المجتمعية. كذلك رسم أولويات متوازنة بين الاستفادة من التقنيات الحديثة والحفاظ على المبادئ الأساسية للمجتمع وهو واحد من الجوانب المهمة التي يجب الاشتغال عليها إذا ما أردنا بالفعل أن نحافظ على هويتنا وقيمنا في ظل الانفتاح المتوقع على الكثير من الثقافات خلال المرحلة القادمة، عبر تطوير أساليب حديثة، وخدمات جديد، وتطبيقات مرنة وجذابة في مجال الذكاء الاصطناعي. من هذا المنطلق، بدأت سلطنة عمان مبكرًا في رسم استراتيجيات وطنية متكاملة تتماشى مع البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، مستهدفةً رفع مساهمة هذا القطاع إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2040، ضمن رؤية عمان الشاملة. ودعمًا لهذه الرؤية، أكدت التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – على أهمية إيلاء الذكاء الاصطناعي أولوية في خطط الدولة ومؤسساتها، عبر توفير بيئة استثمارية محفزة واستقطاب الشركات العالمية المتخصصة، مع تعزيز القدرات المحلية المادية والبشرية لمواكبة الطفرة التقنية العالمية. وعلى ضوء ذلك، أطلقت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات برنامجًا وطنيًا متكاملاً للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية المتقدمة، يرتكز على ثلاثة محاور رئيسة: تعزيز تبني الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية والتنموية، توطين التقنيات، وحوكمة التطبيقات الرقمية برؤية تتمحور حول الإنسان. وتحقق سلطنة عمان بفضل هذه الجهود تقدمًا ملموسًا، حيث جاءت في المركز 45 عالميًا في مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي، متقدمة بين 193 دولة.
مصطفى المعمري
كاتب عماني