ما زلنا نتذكر حفل تنصيب الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب والَّذي تحدَّث فيه عن رغبته في إنهاء الحروب والنِّزاعات حَوْلَ العالَم، بوصفه صانع السَّلام القادم، وقائد المرحلة الجديدة، ولكن حتَّى اللَّحظة لم نرَ شيئًا، ما عدا وقف حرب الـ(12) يومًا بَيْنَ إيران و»إسرائيل». حرب لم تكُنْ مسرحيَّة أو لعبة الشَّطرنج، بل حرب تلقَّى فيها المعتدي ضربات قويَّة ستبقى خالدة، ونتائجها وآثارها على «إسرائيل» ستظهر لاحقًا، ممَّا تطلب دخول الرَّئيس الأميركي لإنقاذها من خسارة ستعجل بإسقاطها ومغادرة سكَّانها، خصوصًا وأنَّ إيران استخدمتْ سياسة التَّأني والصَّبر، وصعود السلَّم خطوة خطوة حتَّى لا تفقد سيطرتها وتدخل في حرب إيرانيَّة غربيَّة. فحياكة السجَّاد، لا يفقهها إلَّا المختصون وهي سياسة إيران بامتياز؛ لأنَّها تملك القدرة والإمكانات والعتاد والبَشَر لإعادة تنظيم صفوفها والردِّ عِندَما يتطلب الأمر، رغم سقوط عدد من القادة والخبراء في هذه الحرب، إلَّا أنَّ وقف إطلاق النَّار أعطى «تل أبيب» الوقت لاستعادة أنفاسها ولملمة أوراقها والبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجْه، وهذا ما عملتْ عَلَيْه واشنطن. وإذا تحدَّثنا عن الرِّبح والخسارة بَيْنَ الأطراف كافَّة، فإنَّنا نؤكِّد أنَّ الجميع خاسر، ولكنَّ المعتدي تلقَّى درسًا قويًّا بأنَّها الدَّولة الأضعف لولا الغرب وأميركا، وأنَّ الدَّولة الإسلاميَّة الإيرانيَّة باستطاعتها هزيمتها لولا الدَّعم الغربي الأميركي ـ فـ»إسرائيل» خط أحمرـ منذُ نشأتها وحتَّى اللَّحظة. لذا فالعالَم اليوم مدعو أكثر من أيِّ وقت مضى إلى الوقوف أمام مسؤوليَّته الأخلاقيَّة والإنسانيَّة، وتغليب لُغة الحوار على لُغة السِّلاح، ووقف الحروب، فالحروب مهلكة ومدمِّرة وخسائرها كبيرة، فالمطلوب الآن وفورًا معالجة كُلِّ إشكاليَّات النِّزاعات في العالَم، إن كان الرَّئيس الأميركي يتطلع لنشرِ السَّلام، فعَلَيْه عدم الاكتفاء بالكلام دُونَ فِعل، إذا كان فعلًا يسعَى لبناء مرحلة من الاستقرار والأمن والسَّلام في منطقة الشَّرق الأوسط والعالَم. الآن وقد وضعتِ الحرب أوزارها، وقامتْ أميركا بضربتها النَّوعيَّة ومساعدة «إسرائيل»، فإنَّ طهران ستُعيد حساباتها ولن تشربَ من الكأس مرتيْنِ، وستكُونُ على استعداد تامٍّ لأيِّ اعتداء قادم، والأيَّام القادمة ستظهر لنَا حقائق الخسائر لحرب (12) يومًا، والحلول المُرضية والاتِّفاق على وقف الحرب هو اتِّفاق العقلاء والكبار. فالقصَّة ليسَتِ السِّلاح النَّووي فقط، بل هي بداية لنظام إقليمي جديد، أوقفته طهران ولكنَّ القصَّة لم تنتهِ هنا، فنتنياهو قالها الهدف تغيير الشَّرق الأوسط كاملًا، ولكن البلد الإسلامي استطاع وقفها وإخمادها هذه المرَّة، واعتداء «إسرائيل» كان مغامرة غير محسوبة، ولكنَّ الدُّروس والعِبر من هذه الحرب عَلَيْنا الاستفادة مِنْها كعرب. والمواجهة القادمة، كما يُقال خلف الكواليس، إذا اندلعتْ، ستكُونُ مريرة وغير محسومة النَّتائج، لذا التَّدخُّل الأميركي الجادُّ للمصالحة والعودة لطاولة المفاوضات في سلطنة عُمان هو الحلُّ الأمثل للحفاظ على مكانة الدَّولة المارقة، الَّذي لا يردعها أيُّ قانون أخلاقي ولا دولي عن فعل ما يخدم وجودها بفضل حلفائها. حفظ الله أهل الخليج من كُلِّ مَكْروه ووحَّد كلمتهم وجمعهم على الصَّلاح والوئام والعمل على استقرار بُلدانهم وأمْنهم ومواجهة المستجدَّات بالحكمة والحوار واستغلال الأدوات الَّتي يملكونها في رأب الصَّدع في المنطقة والشَّرق الأوسط، فالأهداف «الإسرائيليَّة» ونيَّاتها من الحروب والتَّوَسُّع واضح للعيان، فلا تنجرّوا يا عرب، والتَّاريخ أثبتَ مرارًا أنَّه لا أمان لهم، ونستذكر وعودهم للشَّريف حسين وللشَّاه، ولا ننسى مقولة الرَّئيس المصري الرَّاحل مبارك «اللي متغطي بأميركا عريان». وكما ذكر «النتن» القادم هو باكستان.. واللَّبيب بالإشارة يفهم.. والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا