هناك صنف نادر من البشر يكتبون التاريخ بأفعالهم لا بأصواتهم، وبإنجازاتهم لا بضجيجهم، ينقشون أثرهم في الذاكرة الجمعية دون حاجة إلى أضواء أو دعاية. من هؤلاء الكبار، الشيخ سالم بن مبارك الشنفري، أحد رموز العطاء والقيادة في محافظة ظفار وسلطنة عُمان عامة. أول لقاء لي به كان في العاشر من أغسطس عام 1998، حين كان يرأس مشروع «الكُليَّة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا» إلى جانب رئاسته لمجلس إدارة «شركة ظفار الدولية للتنمية والاستثمار»، ومشاركته في مجالس إدارات عدة. ما لفَتَ انتباهي حينها، ليست المناصب التي يشغلها، بل رؤيته الثاقبة التي دفعته للاستثمار في التعليم العالي، في وقت لم تكن فيه الكُليَّات والجامعات الخاصة منتشرة كما نراها اليوم، وكانت الحاجة ملحَّة لتوفير تعليم جامعي داخل الوطن. بادر الشيخ سالم بتأسيس مشروع الكُليَّة الوطنية، مستعينًا بجامعة «وستمنستر» البريطانية، مستفيدًا من تجارب خليجية سبقت في هذا المضمار. جلب للكُليَّة نخبة من العلماء والخبراء، وأسَّس لصرح أكاديمي منح شهادات معتمدة من جامعات عريقة مثل «وستمنستر» و»اليرموك» الأردنية، واضعًا فلسفة أكاديمية واضحة ترتكز على حاجات سوق العمل المحلي والإقليمي. أذكر أن عميد الكُليَّة حينها، البروفيسور الهادي عبد الصمد من السودان، كان كلما اجتمعنا بالشيخ سالم، يردد بإعجاب: «هذا الرجل يصلح أن يكون وزيرًا للخارجية لما يتمتع به من حنكة وكياسة وأخلاق رفيعة». وعندما أرى اليوم أسماء الشركات والبنوك والمؤسسات الكبرى المنتشرة في محافظة ظفار، سرعان ما يحضر إلى ذهني اسم هذا الرجل، الذي كانت له بصمات واضحة في كثير منها، دعمًا وتخطيطًا ومساهمة. الشيخ سالم لا يزال حتى اليوم، في صمت الكبار، يمنح ويعطي، يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، لا يُذكر في محفل خير إلا وكان من أول الداعمين. لقد أسَّس مدرسة في الإدارة، ومدرسة في الكرم، ومدرسة في القيادة المجتمعية. وليس أقل من حقه أن يُدوَّن اسمه في كتاب، بل في أكثر من كتاب. وأتمنى أن يمهلني الله العمر، حتى أفي هذا الرجل بعضًا من حقه بعملٍ يليق بمسيرته. وأدعو القائمين على تنمية القيادات الشابة في بلادنا إلى دراسة تجربته، واستلهام منهجه، وبناء برامج تدريبية تنقل فكره وممارسته إلى الأجيال القادمة. لقد علَّمنا الشيخ سالم بن مبارك الشنفري، بصمته وإنجازه، أن القيادة ليست صخبًا ولا مظهرًا، بل رؤية وعطاء وأخلاق ثابتة في المواقف، وإنسانية لا تتغير مع الزمان.
د.أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشري