الأربعاء 02 يوليو 2025 م - 6 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

حوادث الطرق فـي مصر.. لغز عصي على الحل؟!

حوادث الطرق فـي مصر.. لغز عصي على الحل؟!
الاثنين - 30 يونيو 2025 05:39 م

محمد عبد الصادق

20

حالة غضب عارمة، فجَّرها حادث سَير مروِّع، أودى بحياة (18) فتاةً وإصابة (4) تتراوح أعمارهن بَيْنَ (14) و(23) عامًا، من قرية صغيرة تابعة لمحافظة المنوفيَّة بدلتا مصر، كنَّ في طريقهنَّ للعمل بإحدى مزارع العنب بمدينة السَّادات، مقابل (130) جنيهًا مصريًّا (دولاران ونصف) في اليوم، مُعْظم الفتيات طالبات في مراحل التَّعليم المختلفة، سعَيْنَ لمساعدة أنْفُسهنَّ وأُسرهنَّ، في تحمل التَّكاليف المعيشيَّة المتزايدة، في ظلِّ التَّضخُّم وغلاء الأسعار الَّذي تكابده مُعْظم الأُسر في الرِّيف المصري. مقاول الأنفار قام باستئجار «ميكروباص» حشر بداخله الـ(22) فتاة، يحدوهنَّ الأمل في العودة باليوميَّة المتواضعة، لِكَيْ يحققنَ ولو جزءًا يسيرًا من أحلامهنَّ المتواضعة، وما أن تحركتِ الحافلة على الطَّريق الإقليمي، وقَبل أن تغادرَ حدود القرية، إذا بمقطورة تَسير في الاتِّجاه المعاكس تكسر الحاجز الإسمنتي، وتصطدم بالميكروباص المشؤوم، الَّذي تحوَّل إلى حطام متناثر، وأزهقتِ الأرواح البريئة، شهداء «لقمة العيش»، ضحايا رعونة سائق وغياب الرَّقابة وفساد مسؤولين. الحادث فجَّر عدَّة قضايا متعلِّقة بمطابقة الطُّرق الجديدة للمواصفات، وهي لم يمضِ على إنشائها ثماني سنوات، ضِمْن الخطَّة القوميَّة للمشروعات القوميَّة، الَّتي التهمتِ الطُّرق (60%) من تكلفتها، والَّذي جاء تمويلها بقروض دوليَّة وصلَ حجمها إلى (165) مليار دولار، يتحملها الشَّعب المصري؛ من أجْلِ تحسين حركة النَّقل والمواصلات، في دَولة يسكنها أكثر من مئة مليون نسمة، كانتْ في أمَسِّ الحاجة لشبكة طُرق حديثة تربط المحافظات، وتفتح شرايين جديدة للتَّنمية، وتستحدث مُجتمعات جديدة، في بلدٍ يعاني سكَّانه من التكدس لأنهم يعيشون على أقلَّ من (7%) من مساحته. كان المأمول من هذه المشاريع تحسين جودة الطُّرق، وتوسيع مساحة العمران في مصر، ولكن ـ للأسف ـ واكَبَ استخدام هذه الطُّرق عددٌ رهيب من حوادث السَّير، الَّتي راح ضحيَّتها آلاف الأرواح والمُصابِينَ، الجهات الحكوميَّة تصرُّ على تراجع معدَّلات حوادث الطُّرق مقارنةً بالسِّنين السَّابقة، رغم تأكيد النَّشرة السَّنويَّة للجهاز المركزي للتَّعبئة والإحصاء الصَّادرة في شهر مايو الماضي، على زيادة معدَّلات الحوادث في العام الماضي2024م (7.5%)، حيثُ بلغ عدد المُصابِينَ (76362) إصابة، و(5260) حالة وفاة. المعضلة أنَّ الحكومة اهتمَّتْ بإنشاء شبكة الطُّرق دُونَ أن يواكبَ ذلك تطوير لقوانين المرور، ووجود شُرطي فعَّال على الطُّرق الجديدة، واكتفتْ بزرع رادارات وكاميرات لتحصيلِ المخالفات المروريَّة، دُونَ رادع حقيقي للمخالفِين، خصوصًا سائقي النَّقل الثَّقيل الَّذين يَسيرون في «الحارة الشِّمال»، ويتعمَّدُونَ التَّخطي الخاطئ، والنَّتيجة مُعْظم الحوادث المُميتة، نجد هناك مركبة نَقْل مشاركة فيها، كما أنَّ عدم التقيُّد بالحمولة أدَّى إلى الإضرار بالطُّرق، وهبوط وتلفيَّات في كثير مِنْها. فجَّر الحادث قضيَّة عمالة الأطفال في مصر، فمُعْظم الفتيات أقلُّ من (18) عامًا وهو السِّن المسموح بها للعمل وفْقًا لقانون العمل المصري، وقانون حماية الطِّفل. ولكن يصعب تطبيق مثل هذه القوانين، في ظلِّ وجود معدَّلات فقرٍ تقترب من (30%)، وعجز أولياء الأمور عن تلبيَّة احتياجات أبنائهم، خصوصًا في ظلِّ الأُسر كبيرة العدد، كما أنَّ عمل الأطفال تراث متجذِّر في الرِّيف المصري، فقَدْ عاصرتُ في السبعينيَّات والثمانينيَّات، قيام الأطفال من سنِّ (6) سنوات بجمع الأوراق المصابة بدودة القطن، والَّتي كان يتمُّ جمعها يدويًّا، كما كانوا يجمعون محصول القطن مقابل قروش معدودات، ولكن كان لها قِيمة في ذلك الزَّمن، وكان هذا يتمُّ داخل زمام القرية للأطفال الصِّغار، والأكبر سنًّا من الفتيان والفتيات كان ينتقل إلى محافظات مجاورة لجمع المحاصيل الموسميَّة، شاهدنا ذلك في الأفلام القديمة، وسمعنا عَنْه من آبائنا وأجدادنا. ولكنَّ الجديد أنَّ التَّنقُّل أصبح لأماكن صحراويَّة بعيدةً نسبيًّا عن إقامة الفتيات، بعدما تراجعتْ إنتاجيَّة الأرض القديمة في الدّلتا والصّعيد، وانتقل الانتعاش إلى الأراضي المستصلحة في الظَّهير الصَّحراوي، في رحلة تستغرق قرابة ساعة يتولَّى تنظيمها مقاول الأنفار، الَّذي يتعامل مع مُلَّاك المزارع ويورِّد لهم فتيات يعملنَ بنصف أُجور الرِّجال.

محمد عبد الصادق

[email protected]

كاتب صحفي مصري