تتسارع الخُطى في سلطنة عُمان لبناء منظومة إنتاجيَّة تمتلك القدرة على المنافسة؛ وذلك عَبْرَ مسار واعٍ نَحْوَ الجودة والمعايير. فالرِّهان الحقيقي اليوم لم يَعُدْ مقتصرًا على إنتاج السِّلع، وإنَّما على قدرة هذه السِّلع أنْ تصمدَ في الأسواق، وتكسبَ ثقة المستهلِك وتلتزمَ بمتطلبات التَّصدير. ومن هنا تبرز أهميَّة دعم المنتَج المحلِّي لِيبلغَ المستوى الَّذي يجعله جديرًا بالثِّقة محليًّا، ثمَّ إقليميًّا، فدوليًّا. ويأتي (المتجر العُماني للمواصفات القياسيَّة) كمشروع استراتيجي يؤدِّي دَوْرًا محوريًّا في هذا الاتِّجاه، من خلال توفير منصَّة رقميَّة متقدِّمة تضمُّ آلاف المواصفات القياسيَّة الوطنيَّة والدّوليَّة، وتمنح الجهات المنتِجة والمستورِدة والمصدِّرة، إلى جانب الهيئات الرَّقابيَّة، نافذة موَحَّدة للوصول السَّريع إلى أحدَثِ المعايير الفنيَّة والتَّنظيميَّة، حيثُ تُعَدُّ هذه الخطوة تحرُّكًا تقنيًّا، وجزءًا من إعادة رسم الخريطة الصِّناعيَّة على أُسُس الجودة والموثوقيَّة، وتهيئة الأرضيَّة الَّتي ينطلق مِنْها المنتَج العُماني بثقة نَحْوَ التَّوَسُّع والأسواق المفتوحة. ولأنَّ بناء اقتصاد متنوِّع يحتاج إلى البنية الأساسيَّة الحقيقيَّة، فإنَّ المتجر العُماني يُشكِّل إضافة نوعيَّة لبيئة الأعمال، من خلال مرجعيَّة معياريَّة تُمكِّن المؤسَّسات من رفع مستوى منتجاتها وخدماتها، فالجودة أحَد أعمدة الاقتصاد المعاصر، والتزام المنتَج العُماني بالمعايير المعتمدة هو ما يمنحه ميزة تنافسيَّة فعليَّة. وفي هذا الإطار يتكامل المتجر مع رؤية «عُمان 2040»، ويعمل على ترسيخ ثقافة الجودة داخل المؤسَّسات، ويُسهم في تعزيز ثقة المستهلِك بالمنتَج المحلِّي، كما يدعم بشكلٍ مباشر خطط التَّنمية المستدامة، وعَبْرَ هذه المنصَّة يتاح للمؤسَّسات الوصول السَّهل والموثوق إلى المعايير، ما يُسهِّل عمليَّات التَّصميم والإنتاج والاختبار، ويمنحها القدرة على تطوير منتجات متوافقة مع الأسواق الخارجيَّة، وهذا ما يُشكِّل عنصر جذب إضافيًّا للمستثمرِين الباحثين عن بيئة أعمال تحترم الجودة وتمنحهم أدوات تحقيقها بوضوح وشفافيَّة. وتتميَّز المنصَّة بشراكات استراتيجيَّة مع منظَّمات معياريَّة رفيعة المستوى، مِثل المنظَّمة الدوليَّة للمعايير، والمنظَّمة الدوليَّة الكهروتقنيَّة، وهيئة التَّقييس لدوَل مجلس التَّعاون، ما يمنح المواصفات المطروحة بُعدًا دوليًّا، وتُعَدُّ هذه الشَّراكات من أهمِّ ركائز دعم المؤسَّسات الصِّناعيَّة والتِّجاريَّة في سلطنة عُمان، حيثُ توفّر المواصفات القياسيَّة بمرونة وبواجهة استخدام تُمكِّن المستهلِك والمنتِج على حدٍّ سواء من الوصول إلى البيانات المطلوبة دُونَ تعقيد أو تأخير، وهذا يخلق بيئة عمل شفَّافة، ويُعزِّز فرص التَّصدير، ويُقلِّص الفجوة بَيْنَ ما يُنتج محليًّا وما يطلب عالَميًّا، والمُثير للاهتمام أنَّ هذه المواصفات تغطِّي مجموعة واسعة من القِطاعات تشمل الغذاء، والصحَّة، والكهرباء، والمقاييس، والبناء، والنِّفط، والمعلومات، والنَّسيج، ما يجعل من المتجر محورًا تقنيًّا محوريًّا لكُلِّ مَن يطمح في تقديم منتَج ذي موثوقيَّة فعليَّة. ويكتسبُ المتجر قوَّته من كونه منصَّة رقميَّة حديثة، بالإضافة إلى حجمه ونطاقه أيضًا، حيثُ يضمُّ أكثر من (28) ألفًا و(427) مواصفةً قياسيَّة موزَّعة على القِطاعات الحيويَّة كافَّة، فلدَيْنا مثلًا (6766) مواصفةً في قِطاع الميكانيكا، و(5731) في قِطاع الكهرباء، و(4855) في قِطاع الكيمياء والنَّسيج، إلى جانب آلاف المواصفات الأخرى في الغذاء، والزِّراعة، والتَّشييد، والصحَّة، والمعلومات، وهذا التَّصنيف القِطاعي الدَّقيق يُتيح لكُلِّ فئة مستهدفة أن تصلَ مباشرة لِمَا يلزمها، ما يُقلِّص هامش الخطأ، ويرفع كفاءة التَّوافق الفنِّي، ويزيد من موثوقيَّة المنتَج، كما يُعزِّز من قدرات الجهات الرَّقابيَّة على التَّحقُّق من الامتثال بسهولة، ويدعم البيئة الصِّناعيَّة بقواعد بيانات دقيقة، مُتجدِّدة، وسهلة الوصول. واللافتُ أنَّ النُّسخة المطوَّرة من المتجر دشَّنتها وزارة التِّجارة والصِّناعة وترويج الاستثمار في ديسمبر 2024م، وهو توقيت يعكس حرص السَّلطنة على الاستجابة السَّريعة للتَّطوُّرات العالَميَّة، وبناء أدوات سياديَّة فعليَّة تُواكب اقتصاد ما بعد النِّفط.