إنَّه لَمِن غير المستبعد أن يتتبعَ المرء فكرة «القبَّة الحديديَّة» Iron Dome إلى عصر «حرب النُّجوم»، إذ قادَ سباق التَّسلُّح بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والاتِّحاد السوفييتي السَّابق إلى تفكير العلماء (عُلماء التَّسلُّح والتَّسليح العسكري) باستغلال الفضاء الخارجي مجالًا للتَّسليح والتَّسلُّح على سبيل الاستعداد الوجودي لأيِّ نَوع من أنواع الارتطام بَيْنَ الكتلتَيْنِ الكُبريَيْنِ أعلاه. بَيْدَ أنَّ دعوة الرَّئيس الأميري، دونالد ترامب، الأخيرة لإقامة قبَّة حديديَّة تُغلِّف الولايات المُتَّحدة وكندا في آنٍ واحد، تبدو دعوة بعيدة المنال، بلا أدْنَى شك. وإذا ما كانتِ القبَّة الحديديَّة حالةً ممكنة بالنِّسبة لكيان سياسي صغير، كما هي الحال مع «إسرائيل»، فإنَّ إقامة قبَّة حديديَّة لتغليفِ اليابسة الأميركيَّة زائدًا كندا لحمايتهما من أيِّ تعرُّض صاروخي من قِبل عدوٍّ خارجي، تبقَى فكرة لا تستحقُّ عناء الكثير من التَّأمُّل والتَّخطيط، ناهيك عن تخصيص الأموال الطَّائلة لتحقيقِها؛ ذلك أنَّ يابسة الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة شاسعة جدًّا بحيثُ إنَّ شبكات منظومات الصَّواريخ المضادَّة لما يُمكِن أن يرسلَ إِلَيْها من صواريخ (أو مُسيَّرات) تكُونُ عالية التَّكاليف للغاية بسبب مساحة الولايات المُتَّحدة وكندا الكبيرة (قارَّة كاملة)، ناهيك عن أنَّ أميركا ليسَتْ هي الأرض الرَّئيسة اليابسة Main Land فحسب، فهناك أجزاء من أميركا تمتدُّ لمسافات هائلة بعيدة عن يابستها الرَّئيسة الَّتي تحتوي على حواضر عظيمة مثل «نيويورك» و»لوس أنجلوس»! هناك أراضٍ أميركيَّة في «ألاسكا»، كما أنَّ جوام Guam البعيدة هي جزء لا يتجزأ من أميركا ولا بُدَّ من شمولها بحماية أيَّة قبَّة حديديَّة ينوي الرَّئيس ترامب أن يُقيمَها لحماية بلاده من أيِّ هجوم أجنبي عابر للقارَّات والمحيطات. زِدْ على ذلك كُلِّه هو أنَّ أسطورة القبَّة الحديديَّة «الإسرائيليَّة» قد هوَتْ وبانتْ اختلالاتها، خصوصًا بعد أن تحدَّتها صواريخ جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة وصواريخ جماعة أنصار الله (من اليمن)، إذ لا مستِ الأخيرة مطار «بن جوريون»، شالَّةً حركة الطَّيران التِّجاري بَيْنَه وبَيْنَ مطارات العالَم التِّجاريَّة الأخرى. وإذا ما كنتُ أفترضُ الآن بأنَّ فكرة القبَّة الحديديَّة ستكُونُ أشْبَه بـ»تقليعة»، كما يقول أهلُنا المصريون، فإنَّ هذه التَّقليعة لن تتأخرَ حتَّى تُصبحَ مطلبًا للعشرات من دوَل العالَم الَّتي تستغيث بسواها من الدوَل لمواجِهة مخاطر تحيط وتحيق بها من الخارج!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي