لا يُمكِن أن تمرَّ الهجمات «الإسرائيليَّة» ـ الأميركيَّة غير المبرَّرة (ودُونَ سابق إنذار) على المنشآت النَّوويَّة والعلميَّة الإيرانيَّة دُونَ تداعيات معقَّدة وشديدة التَّشعُّب، درجة أنَّ تداركها هو ليس مسألة سنوات أو أشْهُر أو سنوات، فالموضوع أصبح ذا أبعاد جيليَّة (بمعنى الكلمة)، وهو لذلك يحتاج لأجيال متتالية كَيْ تُطوى صفحاته إلى الأبد! وإذا كان للمرء أن يتوقعَ عددًا من التَّداعيات الخطيرة قصيرة المدَى، وأخرى طويلة المدَى، فإنَّ تهديد مسؤول إيراني رفيع المستوى بإغلاق «مضيق هرمز» إنَّما يُهدِّد الاستقرار العالَمي (بمعنى الكلمة)، بقدر تعلُّق الأمْر بالأسواق وبسيلان أهمِّ مادَّة حيويَّة من الخليج العربي إلى دوَل العالَم الصناعيَّة الَّتي تعتمد على بترولنا لتدوير عجلة الصِّناعة والزِّراعة والتِّجارة العالَميَّة . وإذا ما ضيَّق هرمز حركة تصدير النِّفط إلى العالَم الخارجي (الصِّناعي خصوصًا) فإنَّ حركة الملاحة الجويَّة عَبْرَ دول الشَّرق الأوسط هي الأخرى، في حال يُرثى لها بسبب إغلاق المجالات الجويَّة لأهمِّ دول الشَّرق الأوسط أبوابها أمام حركة الطَّيران الدوليَّة، وهنا إنَّما يعني المزيد من التَّعقيد والشَّائكيَّة على المستوى الإقليمي والعالَمي نظرًا لأنَّ الشَّرق الأوسط يتموقع في قلب العالَم بَيْنَ قارَّات العالَم القديم المهمَّة الثَّلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا) ! أمَّا ما يؤرق الإدارة الأميركيَّة الآن، فهو إعلان مسؤول إيراني رفيع عن أنَّ المحادثات الأميركيَّة الإيرانيَّة حَوْلَ ملف الأخيرة النَّووي بأنَّها لم تَعُدْ مجدية أو ذات معنى، الأمْر الَّذي سيزيد من «الطِّين بلَّة»، كما يقال، خصوصًا وأنَّ الولايات المُتَّحدة شريك أكَّد حضوره في الضَّربات الجويَّة الَّتي تستهدف المنشآت العلميَّة والنَّوويَّة الإيرانيَّة. والحقُّ، فإنَّ تورُّط «إسرائيل» بالهجمات غير المسبوقة ولا المُبرَّرة على المواقع الإيرانيَّة يذكِّر المرء بتورُّط العراق بالهجمات على الجمهوريَّة الإسلاميَّة عام 1980، إذ إنَّه بقي يحاول الإفلات من الحرب وحلحلة الوضع مع إيران الإسلاميَّة لإيقاف الحرب، إلَّا أنَّه بقي يعاني من تلك الحرب الَّتي لا تُبقي ولا تَذر أكثر من ثماني سنوات عجاف طالتْ أرواح عشرات الآلاف من الجنود العراقيِّين والإيرانيِّين دُونَ طائل، لبالغ الأسف !
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
