الخميس 19 يونيو 2025 م - 23 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

عدوان صهيوني يتجاوز الخطوط الحمراء

عدوان صهيوني يتجاوز الخطوط الحمراء
الثلاثاء - 17 يونيو 2025 05:15 م

إبراهيم بدوي

10

في سابقة بالغة الخطورة، أقدمتِ الدَّولة الصهيونيَّة على تنفيذ عدوان مباشر على الأراضي الإيرانيَّة، مستهدفةً قادة عسكريِّين وعلماء ومسؤولين سياسيِّين، ومعلنةً ذلك دُونَ خجلٍ أو مواربة. ما حدَث ليس مجرَّد تصعيد في مسار طويل من التَّوتُّر الإقليمي، لكنَّه تحوُّل نوعي في قواعد الاشتباك، يُعيد تعريف مفهوم الحرب نَفْسه. إنَّنا هنا لا نتحدث عن عمليَّة استخباراتيَّة محدودة، بل عن عمل عسكري معلن ضدَّ دَولة ذات سيادة وعضو بالأُمم المُتَّحدة، وهنا الكارثة فحين تُنفِّذ دَولة هجومًا إرهابيًّا وتتباهى به علنًا، دُونَ مساءلة دوليَّة، فإنَّها تنتهك القانون وتعلن موته، فالدَّولة الصُّهيونيَّة الَّتي تأسَّستْ على المذابح وجرائم التَّطهير العِرقي منذُ قرار التَّقسيم، تصرُّ على إعادة إنتاج العنف كوسيلة لفرض الهيمنة وتوسيع نطاق الرَّدع الدَّموي، هذا السُّلوك لا يختلف عن ما تفعله التَّنظيمات الإرهابيَّة، لكنَّه أخطر مِنْها؛ لأنَّه يأتي بغطاء دولي وصمتٍ أُممي، يتيح لها أن ترفعَ سقف الردِّ والتَّهديد دُونَ حساب. لا بُدَّ أن نعترفَ جميعًا أنَّ العدوان على إيران ليس حدثًا عابرًا، فهو لحظة كاشفة لتحوُّل مزلزل في قواعد اللُّعبة الدوليَّة، نحن أمام مواجهة بَيْنَ دولتيْنِ، ليسَتْ بَيْنَهما حدود مباشرة، تستخدم فيها أسلحة دقيقة وعالية التَّدمير مثل الصَّواريخ الباليستيَّة والطَّائرات الشَّبحيَّة، في تجاوز كامل لفكرة الجغرافيا التَّقليديَّة للصِّراع.. الأكثر فداحة أنَّ هذا يتمُّ في ظلِّ شللٍ تامٍّ في بنية القانون الدولي، فمنظَّمة الأُمم المُتَّحدة باتتْ غير قادرة على فرض الحدِّ الأدنى من الرَّدع، ومحكمة العدل الدوليَّة والمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة تعاني من حالة موت سريري، فيما تحوَّل مجلس الأمن إلى ساحة استقطاب ومساومات تعطِّلها (عصا الفيتو)، وبمشهد مثل هذا لم تَعُدِ الحروب بحاجة إلى مبرِّرات، لكن لمجرَّد غطاء لُغوي جديد، وسيناريو يبرِّر القتل تحت مُسمَّيات مثل (الضَّربات الوقائيَّة) أو (منع التَّهديد قَبل وقوعه)، وهو منطق لو سمح باستمراره، فإنَّ العالَم مقبل على مرحلة انهيار شامل لمنظومة العلاقات الدوليَّة كما نعرفها. لا مفاجأة في الموقف الأميركي بالنِّسبة لي، فهو امتداد طبيعي لمسار طويل من ازدواجيَّة المعايير والدَّعم المُطْلَق لدَولة الاحتلال، فالولايات المُتَّحدة، الَّتي دمَّرتِ العراق وأفغانستان تحت ذرائع ملفَّقة، هي ذاتها الَّتي شرعتْ سياسة استهداف القادة والعلماء كتكتيك مشروع في الحرب، وسوَّقته للعالَم كأداة لضبط التَّوازنات، لكنَّها اليوم تصمت، أو تبرّر، حين تنفِذ الدَّولة الصهيونيَّة هذا النَّمط من التَّصعيد، وترضى بالانتهاك العلني لسيادة الدول، وكأنَّ القانون الدولي حكر على دول دُونَ أخرى. إنَّ الدَّعم الأميركي لهذا الكيان أضحى دعمًا لمنهجيَّة الانفلات من أيِّ محاسبة، وجعل من (الاستثناء الصهيوني) قاعدة جديدة في العلاقات الدوليَّة، وصَمْت المُجتمع الدولي بَيْنَ عجز ظاهر وتواطؤ ضمني، يُشكِّل شراكة كاملة في الجريمة. وهنا تصبح الحياديَّة موقفًا غير أخلاقي، إن لم تكُنْ خيانة للعدالة نَفْسها، في وقتٍ تحترق فيه قواعد اللُّعبة أمام أعْيُن العالَم. إنَّ أكثر ما يثير الغثيان في هذا المشهد هو سرعة انكشاف المواقف الغربيَّة، الَّتي لم تَعُدْ تهتم حتَّى بطلاء أخلاقيَّات مزعومة، فالدول الَّتي طالما تحدَّثتْ عن حقوق الإنسان وسيادة القانون، تجدها اليوم تُبارك العدوان، وتدافع عن المعتدي، وتلوم الضحيَّة، والأخطر من ذلك هو تصاعد النَّبرة العدائيَّة الصهيونيَّة تجاه بعض العواصم العربيَّة، وفي مقدِّمتها مصر. لقد صرَّح قادة في الكيان الصهيوني أكثر من مرَّة بضرورة كبح جماح أيِّ قوَّة إقليميَّة تهدِّد تفوُّقهم العسكري، وأبدوا انزعاجًا من تنويع مصر لتسليحها وخروجها من دائرة التَّبعيَّة التَّقليديَّة لواشنطن، وهذا يَجِبُ أن يقرأ بجديَّة، كتحذير استراتيجي، فنحن أمام كيان يرى كُلَّ تقدُّم عربي تهديدًا وجوديًّا له، في وقت أصبح فيه الإعلام الغربي يبرِّر العدوان باعتباره (إجراءً وقائيًّا). والسؤال الآن: ماذا نحن فاعلون؟ وهل سننتظر حتَّى تصبح الهجمات المسبقة سنَّة دوليَّة تُطبَّق عَلَيْنا؟ أم سنستعيد زمام المبادرة ونرسم خطوطنا الحمراء بأيدينا لا بأقلام غيرنا؟

إبراهيم بدوي

[email protected]