السبت 31 مايو 2025 م - 4 ذو الحجة 1446 هـ

شعائر الحج واجتماع الناس من بقاع الأرض «3»

الأربعاء - 28 مايو 2025 05:40 م

.. ومن العبر ما فيه نفعٌ كبير للأمة، ومن تلك العبر، والفوائد المتحصَّلة من فريضة الحج أن تكون المناسك معلومة للحاج، ومعها التدبر، ومزيد من التأمل، فإذا لبس المُحرِم الإحرامَ تذكر لبس الكفن الذى يلقى الله به بعد موته ، وما من حَيٍّ إلا وسوف يموت إلا الله الواحد القهار، فإنه سيلقى ربه بزي مخالف لزى أهل الدنيا، ومنها أنه إذا قام الحاج بالتلبية فليستحضر قوله تعالى:(وأذن فى الناس بالحج) (الحج ـ 27)،راجيًا القبول، وليخش عدم الإجابة، فإذا وصل الحرم، فينبغي أن يرجوَ الأمن من العقوبة، ويخشى ألا يكون من أهل القرب، وليغلب عليه الرجاء، فالكرم من الله عميم، وحق الزائر على المَزور مَرْعِيٌّ، وزمامُ المستجير لا يضيع، ولكنَّ ذلك كله مفتاحه الإخلاص، وحُسْنُ الرقابة. وإذا رأى البيت الحرام ــ زاده الله تشريفًا وتعظيمًا ـاستحضر عظمته فى قلبه، وشكر الله تعالى أنْ بلَّغه رتبة الوافدين، وعليه أن يستشعر عظمة الطواف بالبيت، فإنه صلاة، ويعتقد عند استلام الحجر أنه يبايع الله على طاعته، ويعزم على الوفاء بالبيعة، وعليه أن يتذكر عند التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم لجوء المذنب إلى سيده، وقرب المحب من حبيبه، وطمعه في الغفران، والعفو، والقبول. إن الوقوف بمشعر عرفة، وازدحام الخلق، وامتلاء ساحاته بالحجيج، وعلو أصواتهم بالدعاء والبكاء، والخشوع، والخضوع يذكِّره بالمحشر يوم القيامة، فالأمم، وكل البشر من يوم خلقهم إلى لحظة بعثهم من بعد الموت يجتمعون في صعيد واحد، من كل مكان على وجه الأرض ، وبكل لغات العالم ، وبكل أعرافهم، جميعهم يرجو رحمة الله، ويخشى عذابه، فما أشبه يوم عرفة بيوم القيامة!، ولكنك فى يوم عرفةَ ما تزال فى الدنيا، وتستطيع أن تزيد القربات إلى الله، وتستغفر لذنبك، وتَرُدَّ الحقوق إلى أصحابها، وتستبرئ من المظالم، كشخصٍ كان نائمًا، ورأى فى منامه أنه قد مات، ودُفن، وجاءه الملكان للحساب، وبضاعته قليلة، ومُزْجاة، وذنوبه كثيرة، كثيرة، فإذا به يستيقظ من نومه، فيحمد الله أن أعطاه الفرصة لتدارك ما فاته، والخروج من المظالم، فيسارع برد تلك المظالم، والاستغفار، وعمل الخيرات، والطاعات. كما إنَّ رمْيَ الجِمار يحمل معنى الانقياد إلى أمر الله، والعبودية وتمام الطاعة والانقياد لله تعالى، فالامتثال لا يأتي إلا بخير، وأداء العبادات على الوجه الذيشرعه الله له مكانة عظيمة، وهو دليل على صدق العبد في طاعته لربه، وفي صدق محبته لمولاه. ثم يأتي مسك الختام بعد الانتهاء من أركان، وواجبات ومستحبات الحج، وهو زيارة المدينة ـ على ساكنها أشرف الصلاة، وأزكى السلام ـ فإذا لاحتْ بالأفق، فتذكر أنها البلدة الطيبة التى اختارها الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشرع لهالهجرة إليها، وجعل فيها بيته، وتمثل فى نفسك مواضعَ أقدام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها، وتصوَّرْ خشوعه، وسكينته، فإذا ذهبت إلى قبره الشريف ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستحضر قلبَك لتعظيمه، والهيبة له، وتمثل صورته الكريمة فى خيالك.

د. أحمد طلعت حامد سعد

كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية [email protected]