الأربعاء 21 مايو 2025 م - 23 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

أضواء كاشفة : قمة.. لكنها كالعادة

أضواء كاشفة : قمة.. لكنها كالعادة
الثلاثاء - 20 مايو 2025 12:50 م

ناصر بن سالم اليحمدي

10

في الوقت الَّذي انعقدتْ فيه الدَّوْرة الرَّابعة والثَّلاثون للقمَّة العربيَّة في العاصمة العراقيَّة بغداد واجتمع عددٌ من قادة الدوَل ورؤساء الحكومات حَوْلَ طاولة واحدة لمناقشةِ العديد من القضايا السَّاخنة على السَّاحة، وعلى رأسها القضيَّة الفلسطينيَّة «المركزيَّة»، كان جيش الاحتلال «الإسرائيلي» يوسِّع نطاق هجومه على قِطاع غزَّة ويقتحمه بَشَراسة في عمليَّة بَرِّيَّة غير مسبوقة ويُوَجِّه له ضربات جويَّة كثيفة أسقطَ على أثرها عشرات الشُّهداء وكأنَّ دماءهم تصرخ أين أنتم يا عرب؟ ولماذا سمحتم للعدوِّ الغاشم بارتكاب هذه المجازر الوحشيَّة؟

وكعادة كُلِّ قمَّة عربيَّة خرجتِ القمَّة ببيانها الختامي بدعوة المُجتمع الدّولي بإنهاء الحرب على غزَّة ووقف إراقة الدِّماء مع التَّنديد بمحاولة تهجير الفلسطينيِّين من أراضيهم وغير ذلك من الشِّعارات الرنَّانة.. والسؤال الَّذي يفرض نَفْسَه: لماذا تُعقد مِثل هذه القِمم العربيَّة طالما لا تأتي بجديد يُغيِّر الواقع أو يفرض خطوات عمليَّة توقف العدوان؟

كُلَّما عُقدت قمَّة عربيَّة فإنَّ ما يُميِّزها هو تمسُّكها المعلن بثوابت الدِّفاع عن القضيَّة الفلسطينيَّة عَبْرَ ترسانة عربيَّة تتنَوَّع بَيْنَ الشَّجب والإدانة والاستنكار.. وكُلُّها «أسلحة» تمنح العدوَّ الصهيوني مزيدًا من الاطمئنان والقوَّة والتَّجرُّؤ على ارتكاب ما يحلو له دُونَ رادع.

إنَّ ما يحدُث في غزَّة اليوم جريمة أخلاقيَّة كُبرى وفضيحة تهزُّ ضمير العالَم الَّذي يبدو أنَّه يغطُّ في سُباتٍ عميق.. فالمُجتمع الدّولي يكتفي بالمشاهدة ويغضُّ الطَّرف عن حرب الإبادة الشَّاملة الَّتي تُرتكَب بدمٍ بارد، بل إنّ بعض الدوَل تبارك وتشارك وأصبحتْ ازدواجيَّة المعايير هي السِّمة البارزة في التَّعامل مع القضايا العربيَّة، وعلى رأسها القضيَّة الفلسطينيَّة، الَّتي تواجه اليوم خطر التَّصفية الكاملة.

للأسف لقَدْ باتَتِ القِمم العربيَّة الَّتي تُعقد سنويًّا منذُ نشأة جامعة الدوَل العربيَّة صورة مكررة بلا طعم ولا أثَر.. تفتقر إلى الفاعليَّة والحزم، بل يطغَى عَلَيْها الانقسام والتَّنازع الدَّاخلي أو الفردانيَّة.. وتناسَى العرب أنَّ العدوان الصهيوني في غزَّة ليس مجرَّد تصعيد عسكري، بل محاولة ممنهجة للإبادة ومساعٍ صريحة لفرض التَّهجير والتَّصفية عَبْرَ شطبِ خيار الدَّولة الفلسطينيَّة المُستقلَّة، واستبدال مبدأ «الأرض مقابل السَّلام» بشعارات جوفاء لا تُسمن ولا تُغني من جوع.. وسياسة التَّهويد تتوسَّع بشراسة لاحتلال كامل الأرض.. في الوقت الَّذي تتفاقم فيه الخلافات العربيَّة الدَّاخليَّة لِتكتملَ الصُّورة القاتمة بالتَّسارع اللافت نَحْوَ التَّطبيع مع كيان الاحتلال «الإسرائيلي» والمشهد الدّولي المنحاز بالكامل لِكيان الاحتلال بقيادة الولايات المُتَّحدة الَّتي لم تكتفِ بالدَّعم العسكري للكيان المحتل، بل باتتْ تُخطِّط لإعادة رسم خريطة المنطقة وتوسيع نفوذها العسكري.

والحل ليس في عَقد قِمم صوريَّة تشجب وتستنكر وتخزن قراراتها داخل أدراج المكاتب، بل ما أعلنه صراحةً معالي السَّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجيَّة خلال مشاركة معاليه في أعمال منتدى طهران الرَّابع للحوار بأنَّ الحلَّ يكمن في الحوار الَّذي عَدَّه أداةً أساسيَّة لمعالجةِ التَّحدِّيات..

ولقَدْ وصفَ معاليه ما يتعرض له الشَّعب الفلسطيني من عُنف وإبادة جماعيَّة بأنَّه «مأساة عالَميَّة» فهذه القضيَّة ليسَتْ محليَّة، بل أصبحتْ تخصُّ الضَّمير العالَمي بأكمله ووصمة عار على جَبِينِ الإنسانيَّة لا بُدَّ من العمل على حلِّها حتَّى تَعُودَ للعدالة الدّوليَّة مصداقيَّتها.. وذلك عن طريق الحوار الموضوعي الواقعي الَّذي يستند إلى الشَّرعيَّة الدّوليَّة والقرارات الأمميَّة المتتابعة ومبادرة السَّلام العربيَّة. إنَّ حجم الكارثة الإنسانيَّة في غزَّة أكبر من أيِّ شجبٍ أو استنكار أو مناشدات ليس لها صدى، فالضَّحايا بالآلاف ولا يَجِبُ أن ننتظرَ حتَّى تزهقَ آلاف أخرى من الأرواح أيضًا.. وكنَّا نتمنَّى أن تخرجَ القمَّة بقرارات تُحقِّق طموحات الشُّعوب المتعطِّشة للجرأة.. إلَّا أنَّه ما زال يُمكِن للعرب الاجتماع على كلمة واحدة والضَّغط على المُجتمع الدّولي بما يمتلكون من أوراق ثمينة يُمكِنها تغيير الموازين إذا أرادوا ذلك حتَّى لا تفيقَ ذات يوم وتقول «أُكلتُ يوم أُكل الثَّور الأبيض».

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني