الأربعاء 21 مايو 2025 م - 23 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : منظومة الجهاز الإداري للدولة بيئة إدارية فاعلة وشراكة مؤسسية لتعزيز النزاهة.. كيف نحقق المنافسة؟

في العمق : منظومة الجهاز الإداري للدولة بيئة إدارية فاعلة وشراكة مؤسسية لتعزيز النزاهة.. كيف نحقق المنافسة؟
الثلاثاء - 20 مايو 2025 12:42 م

د.رجب بن علي العويسي

10

في ظلِّ مساعي سلطنة عُمان المتواصلة نَحْوَ تعزيز منظومة الحوكمة وتحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»، تبرز على السَّطح جهود وطنيَّة نَوْعيَّة تسعَى لترسيخ قِيَم الشَّفافيَّة والنَّزاهة وتحسين الأداء المؤسَّسي، عَبْرَ سياسات وتشريعات وبرامج تطويريَّة تعمل على رفع كفاءة الأداء الحكومي وتعزيز الحوار الاجتماعي وتفعيل أُطر المشاركة الفاعلة بَيْنَ مختلف مُكوِّنات الجهاز الإداري للدَّولة. ولقَدْ شهدتِ السَّنوات الأخيرة من عُمر النَّهضة المُتجدِّدة كنتاج لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدَّولة وإقرار مستهدفات الرُّؤية خطوات ملموسة نَحْوَ تطوير البنية الإداريَّة والتَّنظيميَّة، من خلال تَبنِّي فلسفة إداريَّة حديثة في إدارة الموارد، وتحفيز بيئات العمل، القائمة على الابتكار والعدالة المؤسَّسيَّة، إلَّا أنَّ طريق التَّحسين المستمر لا يخلو من وجود تحدِّيات. ومن بَيْنِ هذه التَّحدِّيات، تظهر الحاجة لتوحيد الفلسفة الإداريَّة داخل المؤسَّسات، وبناء جسور حوار مؤسَّسي مستدام، وتعظيم حضور الرأسمال البَشَري الاجتماعي المواطن في القرار المؤسَّسي بما يَضْمن الانسجام والتَّناغم بَيْنَ المستويات الإداريَّة المختلفة.

وفي هذا الإطار، تأتي المبادرات الإيجابيَّة الَّتي أطلقتها العديد من الوحدات الحكوميَّة، والَّتي عزَّزتْ من الثِّقة المُجتمعيَّة وأتاحتْ للمُجتمع الوظيفي فرص التَّعبير والمشاركة والتَّطوير، مدخلًا استراتيجيًّا كان له أثَره الإيجابي في حدوث تقدُّم نَوْعي في تحسين جودة الخدمات ورفع كفاءة الأداء وتعزيز التَّحَوُّل الرَّقمي وحجم الشَّراكات الَّتي التزمتها الوحدات الحكوميَّة مع مؤسَّسات القِطاع الخاصِّ. كما أنَّ التزام الدَّولة بتفعيل مبادئ المساءلة والشَّفافيَّة من خلال المؤسَّسات الرَّقابيَّة والتَّشريعيَّة والأدوات الممنوحة لها والَّتي كفلتْ لها الحقّ في تصحيح المسار وتقديم الرُّؤى والأفكار، يُعَدُّ ركيزةً مهمَّة لترجمة النَّزاهة وتجسيدها في السُّلوك المؤسَّسي، وتَبنِّي خطط وبرامج وطنيَّة داعمة لها ومِنْها الخطَّة الوطنيَّة لتعزيز النَّزاهة 2023- 2030 والَّتي تَضْمن في إطار الأدوات والإجراءات والممارسات الَّتي تؤصلها من تعزيز انتشار منصَّات وطنيَّة لحماية المال العامِّ وترسيخ ثقافة الانتماء والإنتاجيَّة في بيئة العمل.

ومع ذلك، فإن تَنَوُّع الأساليب الإداريَّة وتفاوت مستويات التَّمكين المؤسَّسي بَيْنَ بعض الوحدات يستدعي مواصلة الجهود نَحْوَ مزيدٍ من التَّكامل المؤسَّسي، ومراجعة بعض الممارسات الَّتي قد لا تنسجم مع روح الشَّراكة المهنيَّة أو تؤخر من فرص إنجاز الأعمال وتنفيذ المبادرات والتَّوَجُّهات. لذلك تأتي أهميَّة إرساء حوار وظيفي مؤطَّر بالاحترام والثِّقة المتبادلة كوسيلة لتعزيز بيئة عمل قائمة على العدالة والإنصاف، تدفع بالموظف نَحْوَ الإبداع والتَّميُّز، وترفع لدَيْه سقف الإلهام وصناعة الأثر، وتحتضن الطَّاقات الوطنيَّة والمواهب المؤسَّسيَّة الصَّاعدة، الأمْر الَّذي يصنع من المرتكزات الوطنيَّة في الإصلاح والتَّطوير الشَّامل، فرصة وطنيَّة حقيقيَّة لإعادة قراءة الممارسة المؤسَّسيَّة ضِمن رؤية إصلاحيَّة شاملة، تؤمن بأنَّ تطوير الأداء لا يتمُّ إلَّا من خلال تمكين الموظف، وتعزيز ثقافة التَّحفيز والعدالة لدَيْه، والارتقاء بأساليب الإدارة الَّتي ترى في الشَّفافيَّة والنَّزاهة قوَّة دفْع لا غنى عَنْها في سبيل الاستدامة والرّيادة وصناعة الفارق.

وفي سياق دعم كفاءة الأداء الحكومي وتعزيز الثِّقة المُجتمعيَّة في العمل المؤسَّسي، جاءتْ مبادرة «معًا نتقدم» الَّتي أطلقَها مجلس الوزراء المُوَقَّر باعتبارها مُحفِّزًا نَوْعيًّا لفتحِ قنوات الحوار البنّاء بَيْنَ الجهات الحكوميَّة والمُجتمع، ونافذة تُعَبِّر عن التزام الدَّولة بالشَّفافيَّة والشَّراكة المُجتمعيَّة في ظلِّ ما قدَّمه في نسخه السَّابقة من قِيمة مضافة عزَّزتْ من حضور مختلف شرائح المُجتمع وتفاعل المواطنين والمقِيمِين مع أداء الجهاز الحكومي، وإتاحة الفرصة لتقديم الملاحظات والآراء لمُتَّخذي القرار بشكلٍ مسؤول يُسهم في تحسين الخدمات، وتطوير البيئة المؤسَّسيَّة بما يتواكب مع تطلُّعات رؤية «عُمان 2040».؛ وتأتي هذه المبادرة الوطنيَّة ترجمةً حقيقيَّة لحرصِ حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ على ترسيخ دعائم الحوكمة الرَّشيدة ورفع كفاءة الجهاز الإداري للدَّولة، بما يُعزِّز من كفاءة اتِّخاذ القرار ويرسِّخ مبدأ المساءلة والشَّفافيَّة. وقد أوْلَى جلالته ـ أبقاه الله ـ أهميَّة كبرى لإيجاد تناغم مؤسَّسي بَيْنَ مختلف سُلطات الدَّولة، ومن ذلك، التَّكامل بَيْنَ مجلس عُمان (بغرفتَيْه الدَّولة والشُّورى) ومجلس الوزراء، بما يعكس نهجًا تشاركيًّا في صياغة السِّياسات والتَّشريعات، ويمنح العمليَّة التَّشريعيَّة والرَّقابيَّة بُعدًا وطنيًّا مؤسَّسيًّا، كما يُعَدُّ التَّنسيق بَيْنَ جهاز الرَّقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة ومجلس الوزراء أحَد أبرز أشكال التَّكامل الرَّقابي في الدَّولة، حيثُ تتلاقى تقارير الجهاز مع توَجُّهات الحكومة في التَّصحيح والتَّطوير، في ظلِّ منظومة متكاملة من الرَّقابة والمساءلة تُعزِّز الثِّقة المُجتمعيَّة في كفاءة الجهاز الحكومي.

وفي الوقت نَفْسه تُمثِّل أدوات الحوار المؤسَّسي الَّتي انتهجتها الحكومة مثل اللِّقاءات المفتوحة، والتَّقارير السَّنويَّة، وغيرها والَّتي أشَرنا إلى بعضها، وسيلة نَوْعيَّة في تعزيز كفاءة الأداء وتعظيم دَوْر الحوكمة والرَّقابة في إيجاد بيئة مؤسَّسيَّة مُنتِجة ومُحفِّزة يجد فيها المُجتمع الوظيفي مزيدًا من الاهتمام والرِّعاية والابتكاريَّة؛ بالإضافة إلى أنَّ الرِّعاية السَّامية لجلالة السُّلطان المُعظَّم ومتابعته السَّامية لمُجريات العمل الوطني ونتائج البرامج الوطنيَّة مثل، البرنامج الوطني للتَّشغيل الَّذي يُشرف عَلَيْه جلالة السُّلطان المُعظَّم، والبرنامج الوطني للتَّنويع الاقتصادي والاستدامة الماليَّة والبرنامج الوطني للتَّحَوُّل الرَّقمي وغيرها وتوجيهاته السَّديدة لمجلس الوزراء المُوَقَّر بالوقوف على احتياجات المواطنين وتعظيم وجود شراكة واقعيَّة وفاعلة بَيْنَ مختلف القِطاعات؛ إنَّما يراد مِنْه صناعة الأثَر وتقديم نواتج نَوْعيَّة في عمل مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة، ورفع درجة كفاءة العمليَّات الدَّاخليَّة التَّخطيطيَّة والرَّقابيَّة والتَّنظيميَّة والتَّحفيزيَّة والإنتاجيَّة في عمل المؤسَّسات؛ الَّتي عَلَيْها اليوم أن تفتحَ آفاقًا أرحب نَحْوَ التَّعايش الفكري المؤسَّسي وتعظيم الحوار الاجتماعي، والتَّوَسُّع في القنوات الاتصاليَّة والتَّواصُليَّة، والاستفادة من المنتج الفكري اليومي حَوْلَ منجز المؤسَّسات وأدائها في عمليَّات التَّطوير وصناعة الفارق؛ تعزيزًا للثِّقة المُجتمعيَّة وتأكيدًا لشراكة المواطن الفاعلة في تقييم الأداء الحكومي بما يخدم الصَّالح العامَّ ويُعزِّز من جودة الإدارة والخدمات.

ويبقى أن نشيرَ إلى أنَّ منظومة الجهاز الإداري للدَّولة تشهد اليوم تَحَوُّلات جوهريَّة في مَسيرة عملها، وتحمل في طيَّاتها ملامح وطنيَّة واعدة، ومسارات تطويريَّة مُبهرة، لذلك كنَّا حريصين غاية الحرص في مَسيرتنا على تقديم هذا الجهد للرَّأي العامِّ وإظهاره وإبرازه بكُلِّ ثقة ومسؤوليَّة واعتراف بحجم النَّجاح والتَّحَوُّل المتحقّق على أرض الواقع، وقد شكَّلتِ المواسم الوطنيَّة جميعها بلا استثناء فرصة داعمة لنَا في تقديم منتج فكري داعم لمنظومة العمل الوطني ويتفاعل مع التَّوَجُّهات والأُطُر الوطنيَّة، فإنَّ الَّذي تحقق من مؤشِّرات إيجابيَّة على مختلف الأصعدة الاقتصاديَّة والاستثماريَّة والاجتماعيَّة وعلى صعيد البناء الإداري وكفاءة عمل المؤسَّسات أقوى وأعلى صوتًا من أيِّ أقوال، وأنَّ الَّذي أُنجز أروَع وأصدَق من أيِّ كلام.

أخيرًا، وعطفًا على منشوري السَّابق وبعنوان» جراثيم خطرة تُهدِّد أعمدة البناء الدَّاخلي في الجهاز الإداري للدَّولة» أوَدُّ من خلال هذا المقال وما حمله من لطائف البناء وأعمدة التَّطوير ومحطَّات العمل والإنجاز أن أقدِّمَ اعتذاري عن بعض الكلمات أو التَّعابير الَّتي وردتْ في مقالي المشار إِلَيْه، والَّتي قد تُفسَّر في غير إطارها، أو تُفهَم في غير مقصدها، أو تُقرَأ في غير سياقها، وهي قطعًا لم يُقصدْ بها الإساءة لأحَد، بل جاءتْ في سياق النَّقد البنَّاء للتَّحدِّيات الَّتي قد تعيق مسار التَّطوير، فإنَّ ما أشرتُ إِلَيْه من حقائق وشواهد إثبات تظلُّ ممارسات فرديَّة، راجيًا من الجهات الأمنيَّة والرَّقابيَّة سرعة الوقوف على تفاصيلها تحقيقًا للعدالة وصونًا للحقوق؛ لا يراد مِنْها التَّعميم على جميع مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة أو تحجيم ما تمَّ تحقيقه من إنجازات مشهودة، مُدركِين حقَّ الإدراك ما يتطلبه منَّا واجبنا الوطني ومسؤوليَّتنا الأخلاقيَّة والمهنيَّة من الإسهام الفاعل في كُلِّ ما من شأنه تعزيز المنتج الفكري الرَّصين المُعزَّز بالشَّواهد والمؤشِّرات؛ فإنَّ المسؤوليَّة الوطنيَّة تقع عَلَيْنا جميعًا، مؤسَّسات وأفرادًا، في أن نكُونَ شركاء في صون قِيَم الوظيفة العامَّة، وداعمِين لمسار التَّطوير والتَّجويد؛ لقناعتنا التَّامَّة وثقتنا في مؤسَّساتنا بأن تظلَّ لُغة الحوار الفكري والتَّعايش المعرفي في إطار ما وفَّرته الدَّولة من مناخ حُريَّة الرَّأي والتَّعبير، ورسَّخَتْه منظوماتها التَّشريعيَّة وقواعدها التَّنظيميَّة والمؤسَّسيَّة، لِتظلَّ دومًا بيئة إداريَّة فاعلة وبنَّاءة، ومسؤولة، ومنافِسة، ومُحفِّزة للتَّطوير، وداعمة للكفاءات ومعزِّزة للابتكار المؤسَّسي وصانِعة للإلهام، والَّذي يُتيح تقديم نقدٍ بنَّاء يصنع التَّغيير ويُعزِّز من قنوات الإصلاح وفلسفة البناء، ويُقدِّم حلولًا واقعيَّة وخيارات وأعمالًا جليلة،» فكُلُّ يد تَبْني عُمان، لها منَّا كُلُّ التَّقدير والامتنان».

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]