الأربعاء 21 مايو 2025 م - 23 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

ما وراء الوزن .. ودواء السمنة المعالج!

ما وراء الوزن .. ودواء السمنة المعالج!
الاثنين - 19 مايو 2025 12:22 م

د. يوسف بن علي الملَّا

20

في عالَم مهووس بمقاسات الخصر وأرقام الأوزان، بدأتِ القوَّة الحقيقيَّة لأدوية إنقاص الوزن تُعِيد تعريف نَفْسِها بهدوء. ليس كحلٍّ سريع لصورة الجسم، بل كمفتاح استراتيجي لتحسينِ الصحَّة. وهكذا ولسنوات، كان الوزن هو المقياس السَّائد في النِّقاشات الصحيَّة. ولكن الآن، ومع تزايد شَعبيَّة أدوية مِثل أوزيمبيك ومونجارو، يحثُّنا العِلم على النَّظر تحت السَّطح. بل إنَّ ما تفعله هذه الأدوية داخل الجسم أعمق بكثير من مجرَّد إنقاص الوزن. فهل صدقًا أنَّ هذه الأدوية تُعِيد صياغة النَّص البيولوجي الَّذي يربط الوزن بالمَرض!؟

بطبيعة الحال، طوّرت هذه الأدوية لمستقبلات (جيم لام ب1) في الأصل لعلاج داء السكَّري من النَّوْع الثَّاني، وقَدْ أظهرتْ فوائد ملحوظة في إنقاص وزن الجسم. لكنَّ تأثيرها يتجاوز مجرَّد التَّغيير الجسمي. بل هي تستهدف نَوْعا خطيرًا من الدُّهون، نُطْلق عَلَيْها الدُّهون الحشويَّة والَّتي تختبئ عميقًا في البطن وتلتف حَوْلَ الأعضاء الحيويَّة. على عكس الدُّهون الموجودة تحت الجلد، فإنَّ هذه الدُّهون الدَّاخليَّة نشطة أيضيًّا وخطيرة. فهي تُغذِّي الالتهاب، وتزيد من مقاوَمة الأنسولين، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسَّكتة الدِّماغيَّة وداء السكَّري من النَّوْع الثَّاني، وحتَّى بعض أنواع السَّرطان. فعَلَيْه ومن خلال تقليل الدُّهون الحشويَّة، لا تساعد هذه الأدوية النَّاس على إنقاص وزنهم فحسب، بل تساعدهم على تحسين صحَّتهم من الدَّاخل إلى الخارج.

على الرَّغم من ذلك، لا تزال العديد من نقاشات الرِّعاية الصحيَّة عالقة في إطار مؤشِّر كتلة الجسم القديم. ولَطالَما كان مؤشِّر كتلة الجسم هو المقياس المعتمد للسُّمنة، إلَّا أنَّه يُقدِّم صورة غير مكتملة. وبالتَّالي فهو لا يُميِّز بَيْنَ العضلات والدُّهون، أو بَيْنَ أنواع الدُّهون المختلفة. فعلى سبيل المثال، قَدْ يمتلك الرِّياضي المُحترِف والبالغ قليل الحركة مؤشِّر كتلة جسم متماثل، لكنَّهما يختلفان اختلافًا جذريًّا في حالتهما الصحيَّة. وبالمِثل، قَدْ يحمل الشَّخص ذو مؤشِّر كتلة جسم طبيعي مستويات عالية من الدُّهون الحشويَّة، ويواجِه نَفْس المخاطر الَّتي يواجهها الشَّخص المُصنَّف على أنَّه بدين. ولعلِّي هنا أذكِّر الجميع أنَّه قَدْ حان الوقت لِندركَ أنَّ الصحَّة ليسَتْ مجرَّد رقم على مُخطَّط بياني، بل هي تفاعل معقَّد بَيْنَ العوامل البيولوجيَّة والسُّلوكيَّة والبيئيَّة!

ثمَّ، إنَّ ما يجعل هذه الأدوية أكثر تميُّزًا هو أنَّ فوائدها تتجاوز مجرَّد فقدان الدُّهون! فقَدْ أظهرتِ التَّجارب السَّريريَّة أنَّ هذه الأدوية، يُمكِن أن تحسِّنَ نتائج أمراض القلب والأوعية الدَّمويَّة، ممَّا يُقلِّل من خطر الإصابة بالنَّوْبات القلبيَّة والسَّكتات الدِّماغيَّة لدَى المَرْضَى المُعرَّضِين لمخاطر عالية. ويبدو أيضًا أنَّها تساعد في حالات مِثل مرض الكبد الدُّهني غير الكحولي وانقِطاع النَّفَس النَّومي، بل ويستكشف الباحثون حاليًّا دَوْرها المحتمل في الأمراض العصبيَّة التَّنكسيَّة. ومن المُرجَّح أن تُعزَى هذه الفوائد الواسعة إلى تأثيراتها على الالتهابات، واستقلاب الجلوكوز، وإشارات الأنسولين. وباختصار شديد قَدْ أقول: إنَّها تُعِيد ضبط أنظمة الجسم الدَّاخليَّة، وليس مجرَّد إعادة تشكيل بنيته.

بالطَّبع، لا يخلو أيُّ دواء من التحدِّيات. فالآثار الجانبيَّة كالغثيان والقيء واضطرابات الجهاز الهضمي شائعة، لا سِيَّما في بداية العلاج. ولأنَّ الآثار لا تستمرُّ إلَّا أثناء تناول الدَّواء، فقَدْ يحتاج العديد من المستخدِمِين إلى علاج مدَى الحياة. وهو عامل ـ إن صحَّ لي القول ـ يُثير تساؤلات حَوْلَ الالتزام طويل الأمد، والقدرة على تحمُّل التَّكاليف، وسهولة الحصول عَلَيْها! ولكن بالنِّسبة لأولئك الَّذين واجهوا صعوبة في اتِّباع أنظمة غذائيَّة ورياضيَّة تقليديَّة، أو الَّذين يعانون من حالات متعدِّدة مرتبطة بالسُّمنة، يُمكِن أن تُحدثَ هذه الأدوية تغييرًا جذريًّا في حياتهم!

ومن هنا ينبغي النَّظر إلى أدوية إنقاص الوزن، مثل سيماجلوتيد والمونجارو مثلًا، ليس فقط كعوامل تخسيس، بل كتدخُّلات علاجيَّة لحالات طبيَّة خطيرة. وبشكلٍ حقيقي إنَّها ليسَتْ بديلًا عن نمط حياة صحِّي، ولكنَّها قَدْ تُقدِّم بداية واعدة. ومهما يكُنْ يظلُّ النِّظام الغذائي وممارسة الرِّياضة والدَّعم السُّلوكي ركائز أساسيَّة للنَّجاح على المدَى الطَّويل. ولكن بالنِّسبة للكثيرين، تُقدِّم هذه الأدوية شعورًا متجدِّدًا بالإمكانات، فرصة للتَّحرُّر من دائرة الإحباط والفشل.

ختامًا، لعلَّ أقوى رسالة أقدِّمها ونتعلَّمها من هذا العصر العلاجي الجديد هي أنَّ جسم الإنسان ليس مُشْكلة تحتاج إلى حلٍّ، بل هو نظام يَجبُ فَهْمُه. وعِندَما نعالجه بوعيٍ وعناية مبنيَّة على الأدلَّة، تكُونُ النَّتائج أكثر بكثير من مجرَّد مظهر سطحي!

د. يوسف بن علي الملَّا

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي

[email protected]