الأربعاء 21 مايو 2025 م - 23 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

العلاج عن طريق «السوشيال ميديا»

العلاج عن طريق «السوشيال ميديا»
الاثنين - 19 مايو 2025 12:15 م

محمد عبد الصادق

20

لي صديق مولع بكُلِّ ما تنشره مواقع التَّواصُل الاجتماعي، فبعد انتهاء عصر القراءة اليدويَّة، تحوَّل كثيرون ـ ومِنْهم صديقي ـ إلى استقاء معلوماتهم السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والتَّاريخيَّة، من الخبراء الاستراتيجيِّين، الَّذين فهموا اللُّعبة مبكرًا، وتركوا الإعلام التَّقليدي ـ إذاعة وتليفزيون وصحافة، واتَّجهوا إلى «الفيس بوك واليوتيوب والإنستجرام»، لِنَشرِ محتواهم وتكوين قاعدة من المتابعين، إلى هنا الأمْر مقبول ويُمكِن التَّعايش معه، وتنحصر أضراره في توجيه الوعي، واعتناق نظريَّة المؤامرة، وتلميع القادة وأصحاب السُّلطة والنُّفوذ، وتشويه سمعة المعارِضِين، وتشويه التَّاريخ، وبثِّ المعلومات المغلوطة.

ولكنَّ الخطورة أن يمتدَّ الأمْر إلى الطِّب والدَّواء، ويحرِّض بعض المنتسبِينَ إلى مهنة الطِّب المَرْضَى المُصابِينَ بأمراض مُزمنة ـ مثل الضَّغط والسكَّري ـ للتَّوقُّف عن تعاطي الدَّواء الموثوق، واستبداله بأعشاب أو حجامة أو نظام غذائي، يدَّعي أنَّه قادر على شفائه من مرضِه المُزمن، وعِندَما يرتفع ضغط دمه أو معدَّل سكَّره يُوهم المريض أنَّه على الطَّريق الصَّحيح للشِّفاء.

مؤخرًا ظهر طبيب رعاية مركَّزة، ادَّعى إمكانيَّة علاج المَرْضَى بعيدًا عن العلاج التَّقليدي، واستبداله بنظام غذائي أطْلق عَلَيْه «الطيِّبات» مؤكدًا أنَّه يعالج مختلف الأمراض، دُونَ إجراء أيِّ تجارب علميَّة، وإنَّما جاءته الفكرة بعد إصابة والده بسرطان القولون، وعِندَما جرّب عَلَيْه نظام «الطيِّبات» تحسَّنتْ حالته واختفتْ أعراض السَّرطان، بعدَها بدأ تجريب نظريَّته الغذائيَّة على المَرْضَى في وحدات العناية المركَّزة الَّتي يعمل بها، وتحسَّنتْ حالتهم بعد وقف أدوية السكَّر والضَّغط وارتجاع المريء.

أرسلَ لي صديقي مقطع فيديو لهذا الطَّبيب، يحكي فيه عن علاج أحَد مَرْضَى السكَّري بنظامه الغذائي، بعد أن كان على وشَكِ قطعِ ساقه نتيجة ارتفاع نسبة السكَّر بالدَّم، ولكن بعد شهر من تناول «الطيِّبات» عاد سكَّره لمعدَّله الطَّبيعي وأنقذتْ ساقه من البَتْر.

لم يكتفِ هذا الطَّبيب بمواقع التَّواصُل الاجتماعي، ولكنَّه يستقبل في عيادته الخاصَّة، حالات مصابة بالروماتويد وبطانة الرَّحم المهاجرة وتكيُّس المبايض، انتهاءً بالذِّئبة الحمراء وسرطان الدَّم والفشل الكلوي، يعالجهم بنظام «الطيِّبات» الَّذي يمنع تناول الدَّقيق الأبيض ومشتقَّاته، والمشروبات الغازيَّة ـ وهذا أمْر مقبول ـ، لكنَّ الغريب أنَّه منع تناول الجبن القريش واللَّبن الرايب ومنتَجات الألبان والبيض ولحوم الدَّجاج، والبطِّيخ والشمَّام، والبقوليَّات مدَّعيًا أنَّها تسبِّب مشاكل في القولون، وكذلك البسلة واللوبيا مضرَّة لأنَّها تكسر كرات الدَّم الحمراء.

أمَّا عن المسموحات.. فالخبز كامل الحبَّة، والأرز والفريك والذُّرة وزيت الزَّيتون والبطاطس، ـ وهذا لا غبار عَلَيْه ـ، ولكن الغريب هو السَّماح للمَرْضَى بتناول الدُّهون والقشطة والجبن المطبوخ والحلويات والمربَّى والعسل والشوكولاتة وحلاوة المولد، ما عدا الملبّن والنوجا، كما يسمح بالتَّمر والعنب والَّتين، والموز والبرقوق والفراولة والجوافة والخوخ والكيوي، حتَّى المانجو يسمح بها رغم تحذير الأطباء مَرْضَى الكُلَى من تناولها؛ لاحتوائها على نسبة عالية من الأملاح.

يزعم علاج الجهاز الهضمي خلال (3) أيَّام، والقولون العصبي خلال (6) أيَّام، وآلام العظم خلال (14) يومًا، وأرق النَّوْم في (8) أيَّام، وعلاج الكبد في (3) أشْهُر، وعكس النَّظريَّات الطبيَّة الَّتي تُحذِّر المَرْضَى من تناول اللُّحوم، ينصح بتناول لحوم الضَّأن والماعز واللَّحم الجملي، ويحذّر من تناول الجمبري والسبيط والكرنب وورق العنب وأيِّ أوراق خضراء ـ كونها قاتلة من وجهة نظره ـ، ويَسْخر من نظريَّات شرب المياه، ناصحًا بِشُرب المياه عِندَ الشُّعور بالعطش فقط. تحرَّكتْ نقابة الأطبَّاء وجامعة عين شمس، بعد انتشار فيديوهات هذا الطَّبيب على منصَّات التَّواصُل الاجتماعي، وقامتْ وزارة الصحَّة بإغلاق عيادته الخاصَّة، وأنهتْ كُليَّة الطِّب بجامعة عين شمس خدماته، لإصراره على ممارسة تخصُّص التَّغذية العلاجيَّة البعيد عن تخصُّصه العلمي، ورغم ذلك ما زال هذا الطَّبيب موجودًا على «السوشيال ميديا» وما زال صديقي متوقفًا عن تناول دوائه، رافضًا الاستماع لِنَصيحتِي بالعودة لطبيبِه الموثوق.

محمد عبد الصادق

[email protected]

كاتب صحفي مصري