ربما يتوهم البعض أن للإنجاز عمرًا محددًا يقف عنده أو شهادات ومؤهلات دراسية عليا. لكن شواهد الحياة تكشف عكس ذلك تمامًا؛ فما دام الإنسان حيًّا قادرًا على الحلم والعمل، فإن نهر الإبداع يستمر متدفقًا باختلاف أعمار الناس ومستوياتهم التعليمية واختلاف فروقهم الفردية.
وقد تجلّت هذه الحقيقة بوضوح مؤخرًا عبر تجربةٍ حيّة، فقد أُطلقت مبادرة بعنوان:(هذا إنجازي) في 24 ديسمبر 2024م لتجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع، وعملت هذه المبادرة على توثيق إنجازات لأشخاص من مختلف الأعمار، ومن مختلف المستويات التعليمية ومن خلفيات ثقافية ومختلفة، بينهم أساتذة ومعلمون ورواد أعمال ورعاة ماشية وناشطون في العمل التطوعي.
وقد تنوعت تلك الحكايات الملهمة لشباب في مقتبل العمر أظهروا إنجازات متميزة، إلى أشخاص تجاوزا السبعين من أعمارهم يسعون بحماس الشباب وسجلوا إنجازات مشهودة، وكانت تلك القصص شاهدةً على حقيقةٍ ناصعة: أن كل مرحلةٍ عمريةٍ يمكن أن تكون صفحةً جديدةً لإنجاز جديد.
وعلى الرغم من هذه الأمثلة الواقعية الملهمة، لا يزال كثيرون أسرى لمعتقداتٍ مُقيِّدةٍ سائدةٍ ترسم حدودًا وهمية للإبداع والنجاح. ترسّخ في أذهان البعض قناعةٌ خاطئةٌ بأن للنجاح (فترة صلاحية)، وأن من تجاوز عمرًا معينًا فقد فاته الأوان لتحقيق أحلامه. وفي المقابل، قد يتصوّر الشاب اليافع أنه لا يزال صغيرًا على إحداث بصمته الخاصة ويؤجّل طموحاته ظنًا أن الوقت لم يحن بعد.
كم سمعنا من يقول:(كبرنا على تحقيق هذا الحلم)، أو من يردد:(لا يزال الوقت مبكرًا بالنسبة لي)! كل تلك المعتقدات ليست سوى عوائق في أذهاننا؛ حواجز غير مرئية نضعها بأنفسنا. وحين نصدّقها، تصبح قيودًا تشلّ قدرتنا على المضيّ قدمًا نحو تحقيق أحلامنا وما نستحقه من نجاح.
وهنا تبرز حقيقةٌ جوهريةٌ أكّدتها كل تلك التجارب: إن من يمتلك الشغف والإرادة لن يقف العمر حاجزًا أمام تحقيق طموحاته، وكما يقول الكاتب الإنجليزي (سي. إس. لويس):(لن تكون أبداً كبيرًا لدرجة تمنعك من وضع هدف آخر أو أن تحلم حلمًا جديدًا)، لذا أقول لكل إنسان حدد حلمك وحوله إلى هدف و انهض مستعينا بالله لتحقيقه، أيًّا كان عمرك الآن. اجعل هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا المقال بداية رحلتك الجديدة. ونحن ندعوك للمشاركة في النسخة القادمة من مبادرة (إنجازك مستمر) شاركنا قصتك وإنجازك، فلعلّ حكايتك تُلهم غيرك وتؤكد من جديد أن العمر مجرد رقم، وأن إنجازك مستمر، ومتجدد.
د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية